البريكست حكاية بريطانيا التي لا تنتهي
ترجمة: علاء العطار
عن موقع “ذا ناشونال إنتريست” 26/1/2020
في نهاية الشهر الجاري، ستغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي رسمياً، وبصرف النظر عما إذا كانت ستحتفل بهذه المناسبة أم لا، سيعمّ البلاد شعور بالارتياح، لأن السجال الدؤوب بشأن طريقة المضي قدماً بإجراءات البريكست سيُحلّ عما قرب، وحتى أولئك المعارضون للبريكست سيشعرون بالتأكيد بالسعادة، ذلك أن بإمكان الحوار الوطني أن يأخذ منعطفاً جديداً ومشجعاً.
لكن ذلك اليوم لن يوفر سوى تأجيل مؤقت، فالحقيقة تقول إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو عملية تحتاج وقتاً، وليس حدثاً، وفي الأول من شباط، سيستيقظ البريطانيون على صحف يتصدّر البريكست عناوينها الرئيسية، وفي حين سيدّعي بوريس جونسون بلا ريب أنه أوفى بوعده، إلا أن على حكومته أن تقضي بقية العام في صياغة علاقة دائمة بين لندن والاتحاد الأوروبي، وسيتعذّر على جونسون القيام بهذه المهمة الهائلة دون أن يتلقى انتقادات لاذعة من الجماعات المحلية في الطيف السياسي، عدا عن أن عليه القيام بذلك قبل أن يبدأ الأثر الاقتصادي المترتب على مغادرة الاتحاد الأوروبي بالحلول.
وفي حين أن اتفاق الانسحاب يحلّ بعض الأسئلة الكبيرة المتعلقة بالبريكست، إلا أنه يترك بعض أكثر المسائل إثارة للجدل دون معالجة، عوضاً عن ذلك، من المفترض أن توفر الفترة الانتقالية فرصة للجانبين لوضع تفاصيل علاقتهما المستقبلية، وهي فترة مدتها أحد عشر شهراً، تظل خلالها بريطانيا خاضعة لمعظم قواعد الاتحاد الأوروبي القانونية والاقتصادية. وإن لم يتمّ التوصل إلى اتفاق خلال هذا الجدول الزمني القصير، فلن يكون لدى بريطانيا ببساطة أي علاقة محدّدة مع أوروبا على الإطلاق، وستكون النتيجة هي “البريكست الصعب”، الذي عمل الكثيرون في بريطانيا بجد لتجنّبه خلال السنوات القليلة الماضية.
وتبعاً لوزير الخزانة البريطاني، ساجيد جافيد، لن يسعى فريق التفاوض البريطاني للحصول على عضوية في الاتحاد الجمركي ولا في السوق الموحدة، وهذا يعني من الناحية العملية أن بريطانيا ستتخلى عن الوصول إلى مجموعة واسعة من العلاقات التجارية الدولية مقابل سعيها نحو سياسات تجارية مستقلة، ويعني أن الاقتصاد البريطاني “سيحيد” عن مثيله في القارة، إذ تخضع السلع والخدمات على جانبي القنال الإنكليزي لمجموعات منفصلة تماماً من المعايير التنظيمية. واتباع سياسة كهذه سيجعل المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي أبسط بالتأكيد، لكنه سيأتي على حساب تجارة عديمة الاحتكاك مع أوروبا، وهو ثمن باهظ حقيقة، ذلك أن تعامل الشركات البريطانية مع السوق الأوربية حالياً يشكّل نصف أعمالها تقريباً، لذا سيتعيّن عليها تغيير طريقة عملها ومع من تتعامل، وعلى الأرجح، سترتفع الأسعار وستفقد الوظائف وستنخفض مستويات المعيشة.
وهناك مجالات تعاون أخرى يجب معالجتها أيضاً، بالرغم من أن أصداءها لن تتردّد في السياسة الداخلية، فقد قامت بريطانيا، بوصفها عضواً في الاتحاد الأوروبي، بالتنسيق مع 27 دولة في مسائل كالأمن وحفظ النظام والاستخبارات، إلى جانب الصيد والزراعة وحماية المستهلك، والصحة العامة والبيئة والطاقة، وغيرها الكثير، وإيجاد ترتيبات جديدة ترضي الشهية المحلية للاستقلال الوطني مع الحفاظ على الفوائد الجمّة للسيادة المجمّعة سيكون محاولة معقدة، وهذا أقل ما يقال.
وهناك لاعبون سياسيون آخرون ومؤسسات سياسية أخرى سيثيرون جلبة ليكون لهم رأي بشأن نتائج البريكست، فالحكومة الاسكتلندية تطالب بإجراء استفتاء جديد للانفصال عن المملكة المتحدة، ويخشى الاتحاديون والقوميون في إيرلندا الشمالية مما قد تحاول لندن فرضه. في الأثناء، يسعى جونسون خلف طموحاته، ليس فقط بالتمسّك بالمكاسب الانتخابية التي جناها حزب المحافظين في انتخابات الشهر الماضي، بل بتوسيع نطاق وصول المحافظين إلى معاقل حزب العمال التقليدية.
ستكون إدارة جميع هذه الاعتبارات في وقت واحد عملاً شاقاً، وستزداد سوءاً إن انزلقت البلاد لتقع في براثن أزمة اقتصادية أو سياسية، وما هو جليّ أنه من غير الممكن “تسوية” المسألة الأوروبية بسهولة، والأحد عشر شهراً لن تكون بالتأكيد كافية لإيجاد مجموعة من الترتيبات الدائمة التي تجد لها تأييداً واسعاً في مفاصل النظام البريطاني.