تطور الخلاف بين أمريكا وأوروبا

د. مهدي دخل الله

كتب الباحث الأمريكي الشهير ليستر ثورو في كتابه (رأس مقابل رأس) بأن العقود القادمة سيكون الخلاف الأساسي فيها بين أوروبا وأمريكا… ويبدو أن البدايات قد ظهرت. فمنذ الخلاف الشهير بين ماك آرثر الجمهوري وترومان الديمقراطي نهاية الأربعينيات ما زالت هناك نظرتان إلى أوروبا تقتسمان الاستابلشمنت الأمريكي (الطبقة السياسية)..
ماك آرثر قائد القوى المسلحة الأمريكية شرق أسيا والمحيط الهادي كان جمهورياً يعطي الأولوية في السياسة الخارجية لمنطقة شرق آسيا و الهادي، بينما كان الرئيس ترومان يعبّر عن نظرية الديمقراطيين في إعطاء الأولوية للعلاقات مع أوروبا…
الديمقراطيون بعد ذلك تابعوا نظرية ماك آرثر. منجون كندي وجونسون وكارتر وكلينتون إلى أوباما، لذلك يفضّل الأوروبيون الديمقراطيين على الجمهوريين. بالمقابل أتبع آيزنهاور ونيكسون الخط المعاكس الكاره لأوروبا، والمهتم بالشرق الآسيوي بما في ذلك الصين.
أما ريغان وبوش الأب والابن، فعلى الرغم من أنهم من الحزب الجمهوري إلا أن انهيار الاتحاد السوفيتي وانعكاساته شغلهم عن النظرية التقليدية للجمهوريين، وأوقعهم في حظيرة المحافظين الجدد ونظرياتهم عن صراع الحضارات (هتنغتون) ونهاية التاريخ (فوكوياما)..
ترامب يحاول استعادة النظرية التقليدية الجيوسياسية للجمهوريين، لكن ضمن ظروف جديدة تبرز فيها النزعة الأوروبية القوية نحو الانفلات من الطوق الأمريكي تدريجياً ونسبياً.
فعلى الرغم من الاهتمام الكبير لترامب بجنوب شرق آسيا والهادي إلا أنه مهتم بأوروبا أيضاً. فالعملاق الروسي الذي استيقظ مع (وبسبب) التصدي السوري والمسألة الأوكرانية لا يسمح لترامب بأن ينسى أوروبا كأسلافه من الجمهوريين.
نظرية ترامب في التعامل مع أوروبا لا تقوم على العداء الخطي المباشر لروسيا، وإنما على توطيد قواعد المنافسة معها. كان أوباما الديمقراطي يريد تطويق روسيا عبر مفاوضاته مع فنلندا للانضمام إلى الناتو وعبر اختراع ما يسمى بأوروبا الجديدة (دول أوروبا الشرقية الشيوعية السابقة) التي نقل إليها قواعد الناتو. كان أوباما يرى في أوروبا الجديدة التابعة لأمريكا حاجزاً جيوسياسياً بين روسيا وحلفائها في المصالح ألمانيا وفرنسا.
مع ترامب بدأت أوروبا الغربية بالتمرد على واشنطن وفق الآتي:
1- موقف أوروبي معاكس لأمريكا وقريب من روسيا في أكبر اتفاق دولي في الآونة الأخيرة، وهو اتفاق (5+1) مع إيران..
2- عدم الالتزام بمقاطعة روسيا سوى اسمياً..
3- الاتفاق بين ألمانيا وروسيا على السيل الشمالي الثاني للغاز عبر البلطيق..
4- افتتاح «السيل التركي» الذي ينقل الغاز إلى أوروبا الجنوبية.
5- تعاون روسي ألماني تركي من خلف ظهر أمريكا لحل المسألة الليبية، وهي مسألة «تهم الأمن القومي الأمريكي» كما تقول واشنطن..
6- خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانضمامها إلى أمريكا فيما يُعد دليلاً قوياً على انزياح ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا عن «الخط الأمريكي»..
7- طرح الأوروبيين مسألة فائدة حلف الناتو.
هذا بعض ما يؤكد الخلاف بين الحليفين التقليديين أوروبا الغربية (العجوز) والولايات المتحدة. طريق تتبعه أوروبا اليوم لأسباب موضوعية بعد أن انتفت الأسباب الإيديولوجية للعداء مع روسيا، ولا شك في أنه طريق ذو اتجاه واحد، حيث لا عودة إلى الوراء.

mahdidakhlala@gmail.com