الطب المنزلي الالكتروني.. تعززه ثقافة الأنترنت وأجور الأطباء المرتفعة
يبدو أن ارتفاع أجور الأطباء المتزامن مع أوضاع اقتصادية متردية عند شريحة واسعة من العائلات السورية دفع باتجاه الاعتماد على التشخيص الطبي الالكتروني، والوصفات الطبية الموجودة بكثرة على بعض مواقع التواصل الاجتماعي؟ فهل يكون البديل الالكتروني وتشخيصات الويب للأمراض علاجاً طبياً ملائماً وفعالاً؟ وما هي مبررات استخدامه على لسان الشريحة التي قدمته كبديل عن عيادات الأطباء وزيارتهم؟.
نصيحة مجانية
على سبيل المثال لا تتردد مي، طالبة جامعية، في نصح والدتها بأخذ قطرة عينية من نوع “تيرموند” لمعالجة حساسية أصابت عينيها، واستمرت لأكثر من يوم، تعرف الفتاة جيداً خواص هذه المادة الدوائية، وقرأت عنها في أكثر من موقع طبي قبل أن تصفها دون مشاورة طبية، أو وصفة مسبقة للأم المريضة، تقول مي: لا آثار جانبية لتلك القطرة، وتستخدم كمحلول مرطب لاحتوائها مادة “الغليسيرين” مع مواد مرطبة أخرى، وفي حالات جفاف وحساسية العين لعوامل الجو، ويمكن شراؤها دون وصفة طبية، وتكمل: رغم ابتعاد مجال دراستي عن الجانب الطبي أو الدوائي (كلية التربية)، إلا أن اهتمامي ومتابعتي المستمرة لمنتديات طبية على صفحات الأنترنت حفزا لدي هذه الثقافة، لدرجة أصبحت أمتلك فيها خبرة كافية لأنصح أحدهم بعلاج أو دواء لمشكلة معينة، وغالباً ما يسألني الكثير من الأصدقاء عن علاج أو دواء لمرض معين أو مشكلة طبية ما.
مواقع متخصصة
الملفت أنه بطريقة مشابهة أيضاً يكتب محمود، شاب في المرحلة الثانوية، بعض الأسئلة على صفحات موقع طبي متخصص مستفسراً عن طرق علاج أو أدوية مفيدة في حالة والده المصاب بمرض في الكلى، ويشرح: إجابات هذه الأسئلة تأتي من أطباء مختصين، وغالباً ما تغنينا عن زيارة الطبيب، ودفع أجرة المشاورة الطبية المرتفعة التي وصلت في أيامنا هذه إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف ليرة لدى بعض الأطباء.
وتفضّل أم سارة، (ربة منزل)، الاعتماد على التداوي من خلال استخدام الأعشاب الطبية غير الضارة، وتقول إنها تحتفظ على جوالها بموسوعة للأعشاب الطبية تستطيع من خلالها قراءة الفائدة الطبية لكل عشبة، وطريقة استخدامها وتحضيرها لعلاج مرض معين، وتكمل: العلاج بالأعشاب مفيد ومجد، واستخدمه آباؤنا وأجدادنا في علاج مشكلات صحية كثيرة، لكن نقص ثقافتنا واهتمامنا بهذا العلم زاد في عدد الأمراض، وجعل اعتمادنا يتزايد على الأطباء وأدويتهم الكيميائية.
أجور مرتفعة
يبدو أن انتشار ووجود كثير من المواقع الطبية والبرامج المختصة بتقديم النصح والمشورة لطالبيها بالتزامن مع الأجور المرتفعة للأطباء عزز لدى الكثيرين ثقافة الطبيب المنزلي الذي يبحث عن طرق علاج الكثير من الأمراض، والأدوية المناسبة لها، والملفت أن هناك برامج متنوعة انتشرت على الهواتف الذكية هي عبارة عن موسوعات طبية نستطيع من خلالها تحديد نوع المرض واسمه والعلاج المناسب له، ويتم تحديثها باستمرار بالمعلومات المستجدة عن طريق ربطها بشبكة الأنترنت، وكان مثيراً للاهتمام أيضاً ما سمعناه عن وجود برامج تستطيع من خلال تنزيلها على أجهزة الهواتف الذكية قياس ضغط الدم، أو عدد ضربات القلب، إضافة إلى برامج أخرى يستطيع المستخدم من خلالها وضع جدول زمني للالتزام بحمية صحية معينة، أو برنامج رياضي مثلاً من خلال وجود مدرب افتراضي يحدد نوع الغذاء، أو عدد التمارين الرياضية المطلوبة ونوعها: (مشي، ركض، تمارين سويدية، إلخ).
لا تعارض أو خطورة
في المقابل لا يرى د. محمد السليمان، اختصاصي داخلية، أية خطورة في تطوير المعلومات الطبية لدى أي من المرضى أو المهتمين من خلال البحث والاستفسار عن مشكلة طبية معينة على صفحات الأنترنت، لكنه يحذر في الوقت نفسه من أن هذا الأمر يتطلب خبرة كافية وحذراً، فالمواقع الالكترونية قد تتحدث عن حالة مرضية معينة لا تماثل بالضرورة الحالة التي يعاني منها المريض أو السائل، كذلك فإن الأشخاص القائمين على تلك المواقع ربما تنقصهم الخبرة أو المعرفة في التشخيص، وحتى المريض نفسه قد لا يستطيع شرح حالته المرضية بشكل جيد وكاف، لذلك فالفحص الطبي والمعاينة أمر لابد منه مهما بلغت درجة الحرفية في تلك المواقع، أو القائمين عليها، أو الباحثين عنها، وتكون المشورة غير المباشرة مفيدة فقط في بعض الحالات.
ويؤكد الصيدلي تمام حمود على ضرورة وجود وصفة طبية قبل صرف أي دواء، ويقول: نتغاضى في بعض الأحيان عن تقديم بعض الأدوية التي لا آثار جانبية لاستخدامها كأدوية الرشح، والسعال، والمضادات الحيوية، والفيتامينات، لكننا في المقابل لا نستطيع صرف أدوية قد يسبب استخدامها دون وصفة طبية ضرراً، ويضعنا أمام مساءلة أخلاقية وقانونية، نحن كصيادلة بغنى عنها، ويختم حمود: نحن كصيادلة نقوم أيضاً بهذا الدور (دور الطبيب المنزلي)، فالكثير من الأشخاص يأخذون مشورتنا بعلاج مرض معين، أو الدواء المناسب له، ولا أتردد شخصياً في تقديم النصح المجاني لأي سائل.
محمد محمود