أردوغان يتحدّى المجتمع الدولي ويواصل إرسال المرتزقة إلى ليبيا
يواصل نظام رجب طيب أردوغان تدخلاته السافرة في ليبيا، رغم المواقف الدولية المستمرة الرافضة لهذه التدخلات والمندّدة بها. وهذه التدخلات تصدّرت أجندة اجتماع اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي المعنية بليبيا، التي انعقدت أمس في الكونغو برازافيل، وضمت موريتانيا والكونغو ومالي وجنوب أفريقيا وأوغندا ومصر والسودان وتونس والجزائر ورئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي. وقالت مصادر في الخارجية الليبية التابعة للحكومة المؤقتة: “إن الاجتماع يأتي في إطار إيجاد آلية ملزمة للنظام التركي لوقف تدخله في الشأن الليبي عبر دعمه للميليشيات والتنظيمات الإرهابية التي تقاتل الجيش الليبي ما يؤدي إلى إطالة عمر الأزمة في ليبيا ويهدد أمن القارة الأفريقية كلها”.
كما يأتي الاجتماع الأفريقي بعد أيام من مؤتمر برلين واجتماع دول الجوار بالجزائر لوقف التدخلات الخارجية في الشأن الليبي.
وليس بعيداً عن ذلك تأتي الاتهامات المتبادلة بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والنظام التركي بتأجيج الأزمة في ليبيا، بينما يتناسى الطرفان أنهما جزء أساسي في وصول هذه الأزمة الى ما وصلت إليه من منحدرات خطيرة.
أردوغان، ورغم كل الدعوات، لم يتوقّف عن إرسال مرتزقته إلى طرابلس، إضافة إلى جنود أتراك وأسلحة ثقيلة ودبابات وصلت الى يد الميليشيات عبر ميناء طرابلس، حيث نقل ثلاثة آلاف مرتزق من إرهابييه من سورية للقتال في صفوف الميليشيات ضد الجيش الوطني الليبي، وفق ما كشفه اللواء أحمد المسماري المتحدّث باسم الجيش الليبي في مؤتمر صحفي، وأشار إلى أن هؤلاء المرتزقة ارتكبوا عدداً من الجرائم في العاصمة الليبية، من بينها القصف العشوائي لمنازل المواطنين والقيام بعمليات سطو مسلح واعتقال عدد من الضباط والنشطاء المدنيين والسيطرة على المدارس.
تسريبات من داخل الجيش التركي كشفت عن أن بعض القادة، ذوي المناصب الرفيعة، تلقوا تهديدات بمحاكمتهم بتهمة الانتماء لحركة الداعية فتح الله غولن في حال اعتراضهم أو استقالتهم، على خلفية ضم مرتزقة أردوغان إلى الجيش التركي وتنفيذ مهمات قذرة تحت لوائه.
غولن انتقد تدخلات أردوغان السافرة في المنطقة العربية، وخاصة سورية وليبيا، واعتبر أنه مسؤول مسؤولية مباشرة عن سفك الدماء في كلا البلدين، وأن تآمره عليهما يصب في إطار المؤامرات التي تتعرّض لها المنطقة.
وقال في حوار مع صحيفة لا ريبوبليكا اللإيطالية: إن مسألة التدخل التركي العسكري في سورية لم تكن سوى محاولة لصرف أنظار الشعب في تركيا عن المشاكل الداخلية المتفاقمة، وأن أردوغان أصبح قاتلاً ويديه ملطختان بالدماء بصورة كبيرة جراء دعمه لتحرّك وتدخل خيالي وغير موضوعي في سورية، وتقع على عاتقه مسؤولية كبيرة عما آلت إليه الأحداث فيها، وشدّد على أن أردوغان بعيد كل البعد عن القيم الديمقراطية وذلك بعد سيطرته واستئثاره بكل مقاليد السلطة في البلاد وممارسته سياسات تسلطية واستبدادية. وفيما يتعلق بالشأن الليبي لفت غولن إلى أن أردوغان لعب دوراً سلبياً بدعمه الفصائل الإخوانية المدعومة منه ضد الجيش الليبي، ما يشكل خطراً على الاستقرار في ليبيا.
ورداً على سؤال حول انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، قال: في الوقت الراهن لا يمكن لحكومة استبدادية شمولية أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي، ولا يجب انتظار الكثير ممن يعتمدون على القوة في سياستهم وممن تحرّكهم مشاعر الانتقام من المختلفين معهم في الرأي ويكرّسون كل السلطات في أيديهم. وفي سياق متصل، قام نائي يوناني بالبرلمان الأوروبي بتمزيق علم تركيا رداً على سياسات أردوغان، واعتبر أن سلوكه ملطخ بالدم، وأنه يبتز دول الاتحاد الأوروبي بموضوع المهاجرين، عبر فتح الأبواب أمامهم للوصول إلى الجزر اليونانية.
ورفع النائب يوانيس لاغوس خلال جلسة للبرلمان ورقة طبعت عليها صورة للعلم التركي، وقام بتمزيقها، وقال: لا تحرصون إلا على عدم مضايقة تركيا، التي أغرقتنا بعدد لا حصر له من المهاجرين، مضيفاً: إن العلم التركي علم ملطخ بالدم، وإن الشيء الوحيد الذي يجب القيام به هو أن نقول أخرجوا أيها الأتراك. وبعد أزمة غير مسبوقة في عام 2015 بين أنقرة وبروكسل ناتجة عن تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين إلى أوروبا، توصل الاتحاد الأوروبي في عام 2016 إلى اتفاق مثير للجدل مع تركيا حول الهجرة، سمح بانخفاض أعداد الهاربين سراً إلى أوروبا.
لكن عدد الواصلين إلى الجزر اليونانية ارتفع من جديد في الأشهر الأخيرة، حيث عادت اليونان من جديد في عام 2019 لتكون الممر الرئيسي للمهاجرين واللاجئين نحو أوروبا. وسبق لأردوغان أن هدد بإغراق البلدان الأوروبية بالمهاجرين في حال لم يقدم له التكتل الأوروبي الدعم المالي له، كما أراد أردوغان إعادة نفس السيناريو في ليبيا حيث هدد الأوروبيين بتدفق إرهابيين إليهم عبر المتوسط في حال عدم الوقوف إلى جانب خياره بحكومة السراج، والتي يهيمن عليها الإخوان وتساعدها ميليشيات وإرهابيين ومرتزقة للقتال ضد الجيش الوطني الليبي في طرابلس.
كل هذه الحقائق تؤكد مجدداً أن أردوغان المتورط في تأجيج الأزمات في المنطقة، ومنها الأزمة في سورية منذ بدايتها، يستمر في تجاهل الجهود الدولية لحل الأزمة في ليبيا ومن بينها نتائج المؤتمر الدولي الذي عقد في العاصمة الألمانية برلين في الـ 19 من كانون الثاني الحالي والذي أكد فيه المشاركون في البيان الختامي ضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد وأن حل الأزمة فيه يكون عبر عملية سياسية شاملة.