أخبارصحيفة البعث

ترامب نتنياهو.. فرض الاستسلام

 

لم يكن توقيت إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن بنود خطته للسلام في الشرق الأوسط أو ما يسمّى “صفقة القرن” مصادفة أو مجرّد توقيت عادي أتمّ فيه فريق العمل الانتهاء من صياغة وإعداد بنود الخطة وفوراً تمّ الإعلان عنها، بل كان مدروساً بعناية فائقة للوصول إلى الهدف المطلوب الذي يمكن أن يتعدّى فكرة “السلام” المزعوم في المنطقة إلى أشياء أخرى تخصّ أولاً ترامب ومحاكمته ومعركته الانتخابية الثانية، وثانياً شريكه في الصفقة بنيامين نتنياهو وانتخابات الكنيست الثالثة في أقل من عام، فكلا الرجلين مأزوم في بيته الداخلي، ويسعى من خلال الهمروجة الإعلامية، التي تمّ خلالها الإعلان عن الخطة، إلى إغلاق الملفات المفتوحة، وتحقيق انتصار بالضربة القاضية على الخصوم، ولكن هل بالفعل سيتمكنان من تحقيق ذلك، أم الوقائع على الأرض ستكون مغايرة تماماً؟.
حتى اللحظة يبدو أن الأمور تسير في عكس ما يشتهي الرجلان، فوضعها ما زال قلقاً جداً، فلا استطاع ترامب تجاوز خصومه الديمقراطيين، الذين وجدوا في كلام بيت سره السابق جون بولتون فرصة جديدة للانقضاض عليه، والتأكيد أن التهم التي ساقوها ضده في معرض محاكمته أمام مجلس الشيوخ، لم تكن أكاذيب كما يحاول هو وفريقه الترويج لها، بل حقائق دامغة وبشهادة مستشار أمنه القومي السابق، الذي حُرم من نشر مذكراته بزعم أنها تمسّ الأمن القومي الأمريكي.
والأمر ذاته مع نتنياهو الذي لم ينتهِ من سماع بنود الخطة الترامبية حتى قدّم المستشار القضائي للحكومة “الإسرائيلية” أفيخاي ماندلبليت، لوائح اتهام ضده، أي الطريق بات ممهداً أمام محاكمته، في حين كانت استطلاعات الرأي التي أجريت بُعيد الإعلان عن الصفقة الأكثر تعبيراً عن فشله في السيطرة على الشارع، فقد بقي منافسه بني غانتس يتقدّم عليه، لا بل تؤكد الاستطلاعات أن شعبيته في تراجع مستمر. إذاً كلا الرجلين لم يحقق هدفه حتى الآن من الصفقة المزعومة، فماذا كسبا؟.
لقد استندت كل المبادرات التي أطلقت لتحقيق “السلام” بين الفلسطينيين والعرب من جهة، وكيان الاحتلال من جهة ثانية، إلى مبدأ ثابت هو الأرض مقابل السلام، أما ما طرحه ترامب فيعتمد على مبدأ جديد قائم على الاستسلام مقابل السلام، فقد منح القدس والضفة والأغوار والجولان كلها لـ “إسرائيل”، مطالباً أن يعترف العرب بها، وهذا هو حلم كل صهيوني يحكم كيان الاحتلال، والدليل ما أعلنه بيني غانتس منافس نتنياهو على رئاسة الحكومة، ولكن هل يمكن لكيان الاحتلال أن يتحمّل تبعات ذلك على مستقبله، وهل باستطاعته سحق كل الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وغزة لتطبيقها؟.
ما هو مؤكّد أن إطلاق الخطة هو نتيجة ضعف ووهن كيان الاحتلال الصهيوني الذي لم يستطع على مدى العقود الماضية أن يحقق أحلامه بالقوة العسكرية، لذا لجأ إلى داعميه لفرض أحلامه بالصفقات المشبوهة، ولكن حتى هذه الأماني لن تمر، لأن من أهم نتائج الخطة المجنونة أنها دفعت الشعب الفلسطيني، قبل فصائله وأحزابه، إلى التوثب من جديد في مواجهة العدوان المستمر على أرضه وحقوقه، وإعلان أنه باقٍ على أرضه، وأن كل الخطط والمبادرات الهزيلة لن تمنعه من المقاومة والدفاع عن حقوقه التاريخية في البقاء على أرض فلسطين.

سنان حسن