صفقة القرن.. تدخل أحادي الجانب
ترجمة وإعداد: عائدة أسعد
تعكس صياغة خطة دونالد ترامب للسلام المعروفة باسم صفقة القرن والتي طال انتظارها في الشرق الأوسط رؤية إدارة ترامب تجاه القضية الفلسطينية- الإسرائيلية، وأنه سيكون من الصعب جداً تحقيق السلام بين الشعب الفلسطيني وما يُسمّى دولة “إسرائيل” على يد ترامب، لأن الجانب الإسرائيلي لا يأخذ أي مطالب فلسطينية في الاعتبار، وجميع الخطوات التي اتُخذت حتى الآن كانت من جانب واحد وضد مصالح الفلسطينيين، وصفقة القرن ليست استثناء، إنما هي تدخّل أحادي الجانب بشأن هذه القضية، وهي إملاءات للمشكلة الفلسطينية- الإسرائيلية التي تتجاهل الحقائق على الأرض.
وترامب الذي أرجأ كشف النقاب عن خطة السلام مرات عدة، قرّر الآن الكشف عنها، في وقت تركز فيه السياسة الداخلية الأمريكية على مستقبل ترامب، فوسائل الإعلام الأمريكية مازالت مليئة بأحداث محاكمته، كما يواجه نتنياهو تهماً خطيرة في البرلمان الإسرائيلي بسبب اتهاماته بالفساد، أي أن توقيت الإعلان عن الخطة قد تمّ تحديده في فترة التحضير للانتخابات في عام 2020 ويريد كلّ من ترامب ونتنياهو إعادة انتخابهما. بمعنى آخر يبدو أن إعلان الخطة يهدف إلى صرف انتباه الرأي العام الأمريكي والإسرائيلي عن قضيتي فساد ترامب ونتنياهو.
وعلى الرغم من الدوافع السياسية الواضحة لتوقيت إصدار هذه الخطة، عدا عمّا تتضمنه، لا شيء يؤكد أن إدارة ترامب جادة بالفعل في الترويج لحلّ الدولتين، كما أن توقيت الصفقة يرتبط أيضاً بالوضع الحالي في العالم العربي، فمعظم الدول العربية غير مستقرة سياسياً، وبعضها كالإمارات المتحدة والسعودية ترتبطان ارتباطاً وثيقاً بإدارة ترامب وما يُسمّى دولة إسرائيل، ولا توجد قومية عربية قوية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين.
إن ترامب لم يدعُ الجانب الفلسطيني للحضور إلى واشنطن، لأنه يعلم أن الصفقة ليست في مصلحة الفلسطينيين وأنهم سيرفضونها، والجميع متفقون على أنها صفقة تفضّل “إسرائيل” بشدة، وهم يذكرون جيداً الخطوات المهمّة الموالية للكيان الإسرائيلي التي اتخذها الرئيس ترامب منذ توليه منصبه في كانون الثاني 2017.
لقد اتخذ الرئيس ترامب العديد من القرارات المهمّة التي انتهكت جميعها القواعد والمبادئ الدولية، ومنها اعترافه بالقدس كعاصمة لـ”إسرائيل”، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وتخلّى عن حلّ الدولتين طويل الأمد، وتوقف عن تمويل وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وأعلن أن الولايات المتحدة لن تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة غير متوافقة مع القانون الدولي.
ولأن ترامب يدعم قيام دولة إسرائيلية دون قيد أو شرط لن ينال ثقة الفلسطينيين، وبالتالي هو بنظرهم وسيط غير أمين ولا يمكن قبول أي مبادرة بدأها. وحتى لو دعمت بعض الأنظمة العربية خطة السلام الأمريكية لن يتفاعل الفلسطينيون ولا المجتمعات العربية مع صفقة القرن، وكما تتوقع قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والرأي العام الدولي يتوجّب على “إسرائيل” أن تنسحب من الأراضي المحتلة -القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة- وأن تقبل دولة فلسطينية مستقلة كجزء من حلّ الدولتين.
إن خطة السلام المزعومة تحيد عن السياسة الأمريكية التقليدية تجاه المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية التي أشرفت على عملية السلام بين الدولة الإسرائيلية والشعب الفلسطيني، ودافعت عن حلّ الدولتين وإدارة ترامب تعطي الأولوية لأمن “إسرائيل” وحدها، وسياسة ترامب تجاه المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية هي “إسرائيل أولاً” على غرار سياستها الداخلية المتمثلة في “أمريكا أولاً”. كما أن ترامب لم يناقش خطة السلام مع حلفائه في الناتو أو مع قوى عالمية أخرى مثل روسيا والصين، لذلك سيكون من الصعب جداً الحصول على الدعم من المجتمع الدولي، ويبدو أن ترامب لا يهتمّ بالتكاليف والآثار المحتملة لخطة السلام، وستنضم صفقة القرن التي أطلقها إلى مكتبة عمرها قرن من خطط السلام الفاشلة في الشرق الأوسط.