فليغضب التجار..!
قبل أيام من تفعيل البطاقة الذكية لتستفيد منها الأسر السورية التي أرهقتها الأسعار، انتقد التجار “الذكية” وزعموا أنها باب جديد للفساد..!.
ومن استمع إليهم في الأسبوع الماضي كاد يصدق أن قلب التجار على المواطن المحدود الدخل..!.
ولولا قلة من الحياء لطالبوا بإلغاء البطاقة الذكية لأنها تحوّلت بالنسبة لهم إلى “شر مستطير”..!.
لقد تلقى التجار منذ عدة سنوات مفاجأة سارة جداً عندما تم وقف العمل بالبطاقات التموينية الورقية، وكانوا نجحوا قبلها بتخفيض كمياتها وإلغاء بعضها الآخر (الزيت والشاي) مقابل وعد معسول بأنهم سيوفرون المواد الأساسية بأسعار لا ترهق دخل الأسرة السورية.
وقد استجابت الحكومة آنذاك للتجار المستوردين وللصناعيين الذين استثمروا في “تصنيع وتعبئة الزيت النباتي”.. فماذا كانت الحصيلة..؟.
ارتفاع متدرّج في أسعار المواد التي كانت توزع بالبطاقات التموينية الورقية إلى أن وصلت إلى مستوى تلتهم فيه الجزء الأكبر من دخل الأسرة الشهري أو اليومي..!.
وحاولت الحكومة من خلال وزارة التجارة الداخلية إقناع التجار أن يرحموا المواطن، تارة بمخاطبة ضميرهم “الميّت”، وحيناً آخر بالتهديد والوعيد..!.
حتى المستورد الذين يحصل على دولارات من المركزي بالسعر الرسمي تلاعب ببيانات إدخالها عبر الموانئ، وبتسعيرها وفق الدولار الأسود كي يتمكن من رفع أسعارها شهراً بعد شهر..!.
ولم يكتفِ التجار بكل ذلك، بل مارسوا الاحتكار بأبشع صوره من خلال حجب المواد عن الأسواق، أو التحكم بعرضها ليشتدّ الطلب عليها كمبرر لرفع أسعارها أكثر فأكثر..!.
وقد وصل التجار إلى مستوى غير مسبوق من الجشع عندما امتنعوا في الشهر الأخير من العام الماضي عن طرح بعض المواد مثل الزيت النباتي المصنّع محلياً، ولم يفرجوا عنه إلا بعد رفع سعره..!.
أمام جشع التجار المتصاعد، وبعد فشل الجهات المسؤولة في إقناعهم بتخفيض الأسعار سواء بالحسنى أم بالتهديد.. لجأت الحكومة إلى تفعيل البطاقة الذكية بعد انتظار طويل جداً وغير مبرر..!.
ولم يصدّق التجار الذين لم يتمكّنوا من إخفاء غيظهم وغضبهم أن الحكومة ستفعلها وتوزّع السكر والأرز والشاي بأسعار مدعومة..!.
وعندما تيقنوا أن العملية بدأت، وتحسّباً من أن “الآتي أعظم” في حال وفت الحكومة بوعدها وأضافت مواد جديدة لتوزيعها بالبطاقة كالزيوت والسمون والمعلبات والحبوب.. استشاطوا غضباً وقالوها بما يشبه الصراخ: البطاقة الذكية تجربة فاشلة وباب جديد للفساد..!.
حسناً.. لاشك بأن أخطاء ستظهر فور تطبيق توزيع المواد بالبطاقة الذكية، وقد ظهرت أخطاء فعلاً مع اليوم الأول للتطبيق، لكنها أخطاء يمكن تداركها وليست مبرراً لعدم تأمين المواد الأساسية بسعر مدعوم وبأقل من 50% من سعر السوق لبعض المواد..!.
المهم أن الحكومة لن تتراجع بل مصمّمة على زيادة مواد جديدة، والأهم أنها منحت مؤخراً 20 مليار ليرة كسلفة للسورية للتجارة لاستيراد مادتي السكر والأرز.
نعم.. قد يجد بعضهم في البطاقة الذكية باباً جديداً للفساد، لكنه يبقى محدوداً جداً جداً مقارنة مع فساد التجار الذي زرعوه في معظم مفاصل عملهم في المؤسسات العامة..!.
بالمختصر المفيد: يعيش ملايين المواطنين حالة غضب على التجار منذ سنوات ..
وقد آن الأوان ليغضب التجار .. فليغضبوا..!.
علي عبود