حسين إدلبي: عرض بعيد عن الواقع
يعود المخرج المسرحي حسين إدلبي للمسرح بعد غياب دام عدة سنوات عنه من خلال العرض المسرحي “فانتازيا الجنون” عن نص للكاتب عبد الفتاح قلعه جي والذي ستبدأ عروضه يوم الأربعاء القادم على خشبة مسرح الحمراء، ويبيّن إدلبي في حواره مع “البعث” أن النص كُتب قبل الحرب على سورية وسبق أن قُدم في أكثر من دولة عربية، موضحاَ أن النص الأصلي خضع لإعداد من قبله، حيث تم ربط المسرحية بالأحداث وما حصل في سورية أثناء الحرب، وكان النص أرضية خصبة لتكوين عرض ذي سمة مميزة من خلال أداء جماعي يجمع بين الدراما والرقص والموسيقا والغناء ليكون عرضاً مسرحياً استعراضياً، وبنفس الوقت يحمل أفكاراً معاصرة تدعو للفكر المقاوم بطريقة غير مباشرة وبأسلوب مسرحي.
فكرة جديدة
يشير إدلبي إلى أن مسرحية “فانتازيا الجنون” هي التجربة الأولى له مع نص لعبد الفتاح قلعه جي، آملاً أن يتجدد التعاون معه في أعمال قادمة، منوهاً إلى أن نصوص قلعه جي بشكل عام صعبة وتحتاج لمخرج ذي خبرة وتجربة، وقد اختار نص “فانتازيا الجنون” لأن فكرته جديدة لم يتم التطرق إليها من قبل، حيث تدور الأحداث حول مجموعة من نزلاء أحد المشافي العقلية الذين يهربون من المشفى ليقدموا مسرحية في مكان يسلطون فيها الضوء على أحداث وقضايا اجتماعية وسياسية ليتم تقديم المسرحية من قبل إدلبي بقالب جديد ومحبب، موضحاً أن فكرة المسرحية أغرته لأنها تفسح المجال له للتطرق لأحداث معاصرة وشخصيات سياسية وعربية وأجنبية ومعاناة الشعوب من الغرب وعنجهيتها اتجاه الشعوب العربية وشعوب العالم الثالث، داعية المسرحية إلى ضرورة مقاومة هذه العنجهية الغربية وعلى رأسها أميركا وخلفها الحركة الصهيونية، مؤكداً أن العرض يحقق الفائدة من خلال فكرته والمتعة بذات الوقت، وهذا ما يسعى إليه إدلبي في كل أعماله بعد مسيرته المسرحية الطويلة في حلب ودمشق.
المسرح الفقير
يبيّن حسين إدلبي أن لكل عرض يقدمه سمة خاصة، وسمة العرض الحالي “فانتازيا الجنون” على صعيد الشكل مستوحى من العنوان، فهو عرض خيالي بعيد عن الواقع والأساليب المباشرة، معتمداً كعادته على المسرح الفقير حيث لا يستخدم على خشبة المسرح إلا ما يجب تواجده حتى لا ينشغل الجمهور بالديكور ويلتفت بالدرجة الأولى للعنصر البشري للعرض مستعيناً إدلبي باللوحات الراقصة لفرقة “يائيل” مؤكداً أن وجود لوحات راقصة يكون حسب طبيعة النص، وهو لا يعتمدها لملء فراغ بل ليكون لها دور درامي بحيث تكون موظّفة توظيفاً يتلاءم مع طبيعة العرض.
تغير الأساليب
قدم حسين إدلبي في العام 2012 مسرحية “الأميرة والصعلوك” ولأن حياته بدون مسرح تبدو ناقصة يعود إلى المسرح بين فترة وأُخرى، مبرراً غيابه منذ تلك الفترة بظروف الحرب، مؤكداً بأنه اليوم يُقَدّم العرض في ظروف غير سهلة، معتمداً على مجموعة من الممثلين الجيدين هم: ناصر الشبلي، غسان الدبس، ريم مقدسي، عبد السلام بدوي، رندا الشماس، نور خلف، فادي الشاعر، فهد السكري وفرقة يائيل للرقص بقيادة المدرب إياد السبع إلى جانب وجود الموسيقي سامر الفقير وبعد مسيرة مسرحية طويلة قدم خلالها نحو 30 مسرحية في حلب ودمشق للمسرح القومي وهو الذي أسس أول مسرح محترف في مدينة حلب (مسرح الشعب) الذي موّلته بلدية مدينة حلب وكانت النواة الأساسية لمسرح حلب القومي، يعترف إدلبي أن أشياء كثيرة تغيرت فيه كمخرج، خاصة على صعيد أسلوب التعبير عن الفكر الذي يحمله، مؤمناً أن الأفكار تبقى ولكن تتغير الأساليب بتغير الإنسان وتطوره، مع تأكيده على أن المسرح يجب أن يكون وسيلة للتعرف على التاريخ، وقد أنجز عدة مسرحيات في هذا المجال مثل “علي جناح التبريزي وتابعه قفّة” داعياً للفكر التحرري المقاوم ضد عنجهية الغرب وعلى رأسه أميركا، وهو الذي يؤمن بالفكر التقدمي الاشتراكي القومي العربي ويسعى من خلال أعماله إلى الدفاع عنه لتنفيذ مقوماته الصحيحة والسليمة للمجتمع والوطن، مؤكداً أن هذا الفكر له جدوى من خلال القالب الذي يُقَدّم فيه العرض المسرحي البعيد عن المباشرة، مبيناً إدلبي أنه سيظل مؤمناً بأفكاره وسيدافع عنها رغم كل ما يحدث على أرض الواقع، موضحاً أن الإعلام الغربي ووسائل التواصل توجه الناس ضد هذا الفكر لإبعادهم عن الكثير من الحقائق والدعوة للتخلي عن العروبة، مبيناً أن المسرح المقاوم يسلط الضوء على الفكر الغربي الذي هو ضد الفكر المقاوم، ومن نتائجه الحرب الظالمة التي شُنّت على سورية والحصار الذي نعاني منه.
ولإيمانه بأن لكل زمان دولة ورجال يشير إلى جيل جديد يحاول أن يُقَدِّم تجارب مسرحية، وما يؤخذ عليه برأيه أنه ينسى الجيل القديم المؤسس، فلا يحاول الاستفادة من خبرته، مؤكداً أن الشباب هم الشعلة التي تغذى بمساندة أصحاب الخبرة لتتوقد وتضيء لأن خبرة الشباب القليلة وحماسهم الكبير بحاجة لأن تدعم بخبرة لتقديم أعمال بشكل أفضل، ليقدموا تجارب فنية تحمل أفكاراً سياسية أو قومية وليس أشكالاً فنية مختلفة فقط، من هنا يبين أن اختيار النص ليس أمراً سهلاً وهو يحتاج إلى قراءات كثيرة ومن ثم اختيار الأنسب والأفضل، لذلك مر وقت طويل وقام بقراءات كثيرة حتى اختار نص “فانتازيا الجنون” موضحاً أنه قَدّم نصوصاً عربية وسورية ولكتّاب أجانب، مؤكداً أنه معجب بالفكر التقدمي للكاتب المسرحي فريدريك دورينمات الذي يكتب نصوصاً لعامة الشعب وقد قدم له مجموعة من الأعمال منها نص “هبط الملاك في بابل” الذي افتتح به مسرح الشعب في حلب و”النيزك” وغيرهما، كما ترجم له أكثر من عمل.
عنصر الثقافة
ويؤكد المخرج إدلبي أن ما يميز النص الأجنبي عن النص المحلي أو العربي هو عنصر الثقافة الذي يبدو واضحاً لدى الكتّاب الأجانب، فثقافتهم أوسع من ثقافة بعض الكتّاب العرب والمحليين، مبيناً أن الثقافة تفتح آفاقاً واسعة، فالكاتب الذي لا يملك اطّلاعاً فنياً ومعرفياً تكون كتابته ضحلة، ولا ينكر أنه لدينا كتّاب يحملون ثقافة توازي ثقافة الكتّاب الأجانب.
“فانتازيا الجنون” من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا، تأليف موسيقي سامر الفقير، مساعد مخرج رندا الشماس، تصميم إضاءة وتقنيات بسام حميدي، كريوغراف إياد السبع، دراماتورغ بسام سفر، ديكور وأزياء سوزان غرير، كلمات الأغاني ماهر إبراهيم، غناء ديمة زين الدين ووليد الزبيدي، مكياج منور الخطيب، تصميم الإعلان إبراهيم مؤمنة.
أمينة عباس