ثقافةصحيفة البعث

الكاريكاتيـــــــر.. فــــــن المجتمــــــع في رســـــــم الواقـــــــع

 

فن الكاريكاتير من أقدم الفنون التي عرفها الإنسان، هو فن ساخر وصورة تبالغ في إظهار تحريف الملامح الطبيعية أو خصائص ومميزات شخص أو جسم ما بهدف السخرية، وله القدرة على النقد بما يفوق المقالات والتقارير الصحفية أحياناً، وقد كان محور جلسة لقاء “شآم والقلم” التي جاءت بعنوان “الكاريكاتير.. فن المجتمع في رسم الواقع” أدارتها الإعلامية نجوى صليبة.

مرحلة الانحسار
عبر رسام الكاريكاتير عبد الهادي شماع عن تشاؤمه لمصير هذا الفن حيث قال: بين واقع الكاريكاتير اليوم والغد أنا أميل إلى التشاؤم لمصير هذا الفن، ويمكن القول إن هذه الفترة هي شكل من أشكال ما قبل تأبين فن الكاريكاتير، هو فن موجود ولكنه معتم ولا يسلط عليه الضوء بمعنى أنه شبه منقرض رغم فعاليته الكبيرة ومحبة الناس واعتمادها عليه في فترة من الزمن، وأرى أنه سيأخذ منحى آخر ليظهر بشكل مختلف، ويمكن القول أنه في مرحلة انتقالية من الشكل المتعارف عليه الذي استمر عبر التاريخ والتطورات الموضوعية إلى مرحلة الغباش غير الواضحة.
وأضاف الفنان شماع: العالم الآن تطور واحتلت مواقع التواصل الاجتماعي الحيز الأكبر منه، والفن مثل أي شيء تكنولوجي يتطور مع الزمن وطرأ عليه الكثير من التغيرات بسبب وجود هذا الفضاء الالكتروني. والحقيقة، هناك شكل من أشكال الكاريكاتير كان في الأساس ينتشر عبر وسائل الإعلام “الجريدة الورقية” والتلفزيون، واليوم تغلق الصحف أبوابها أمام هذا الفن، والصحف الأخرى التي لم تغلقه تعيش أزمات مالية وقلة في التوزيع بسبب توجه الناس والشارع إلى أمور أخرى، وفي النهاية هي قوانين الحياة والكرة الأرضية ودائماً يوجد شيء يحل مكان شيء آخر.
وتابع شماع: وُجد المسرح أيام الإغريق ومازال موجوداً، لكن فعاليته وتأثيره خفت، وأهميته بدأت بالتراجع وتأخذ أشكالاً أخرى، وبالتأكيد الكاريكاتير كالمسرح هناك بدائل وأشكال ثانية له لم تتوضح بعد أو تتبلور، وطبيعة الأشياء تقول إن هذا الفن سيتطور ويختلف من الشكل الذي هو عليه، ومن حيث مبدأ الرغبة في متابعة رسم الكاريكاتير عند الإنسان، بالتأكيد هناك مناخ طاغٍ له علاقة في تطورات العالم ووسائل التواصل الاجتماعي التي أحدثت تأثيراً كبيراً شئنا أم أبينا، وأنا من المتضررين منها، والتأثير مستمر لغاية اليوم. والواقع، تميز رسامو الكاريكاتير بتغريدهم خارج السرب، وأنا بدوري شخصية أراعي الوضع ولا أضيع وقتي في رسم كاريكاتور يمكن أن يكون مرفوضاً بسبب مخالفته لسياسة الجريدة أو البلد.

فن الكاريكاتير
بدوره تحدث الفنان والناقد سعد القاسم عن تاريخ فن الكاريكاتير فقال: فن الكاريكاتير هو فن قديم جداً، وبالتوثيق أنه كان عند المصريين القدماء، ووجدت الرسوم الكاريكاتيرية على أوراق البُردي، التي هي بالأصل تعبر عن موقف سياسي للصراعات الموجودة داخل مصر وخارجها، وهناك شيء في الكاريكاتير لم نصل إليه في العالم ويمكن القول أنه انقطع، ولكن في عصر النهضة ظهر هذا الفن من جديد وعبَّر عن مواقف ضد السلطة والإقطاعية، ومع ظهور الصحافة في العالم بدأ يأخذ مجاله وأصبح جزءاً من العمل الصحفي وحرصت الصحف أن يكون لديها رسام كاريكاتور، وهنا تطور ليقدم نوعين من الكاريكاتير، الأول: الكاريكاتير الذي لديه دور صحفي مرتبط بالتحقيق الصحفي وغيره، والثاني يُنشر بالصحافة ولكن ليس له علاقة بالحداثة أو بخبر في الجريدة، وهذا الاتجاه بالمنشور الصحفي وليس صحفياً كان ينمو كثيراً في سورية في مرحلة السبعينيات وكان وقتها يوجد توجه إلى الكاريكاتير العالمي.
لا يوجد في كلية الفنون الجميلة مادة تدرس فن الكاريكاتير، وحول هذا الموضوع أضاف القاسم: كلية الفنون كانت من أهم إنجازات الوحدة وتأسست بخبرة مصرية، ومنذ هذا العام لغاية اليوم نسبة الخريجين كرسامي كاريكاتور قليلة والسبب أن الكاريكاتير لا يدرس، وهو تماماً حالة إبداعية فردية شخصية، وفي الواقع، فن الكاريكاتير ليس قراراً وإنما تعبير عن حالة إنسانية بالسخرية الناجمة عن العجز أو السخرية الناجمة عن الحس بالتقاط المفارقات، وهو شكل من الأشكال الطرفة المتداولة.
وعن حرية العمل في هذا الفن قال: الكاريكاتير هو فن التحايل على الممنوع، ولا يعمل ضمن هامش مفتوح، ويحاول دائماً التحايل وتقديم شيء غير مباشر وقابل للتأويل، وبهذه الطريقة يقدم كل ما لديه، والحرية عموماً في العالم كله غير موجودة حتى في أهم الصحف العالمية يوجد خط تعارض مع خط الصحيفة، وبشكل عام فن الكاريكاتير في العالم كله يشهد تقييداً أكثر بحريته، ووسائل الإعلام أيضاً مقيدة وتشهد تراجعاً على المستوى الصحفي، والكثير من الصحف التي انتقلت إلى المواقع الالكترونية لم تكن مهتمة بنقل الكاريكاتير معها، لذلك أخذ هذا الفن مساراً منعزلاً عن الحدث السياسي واقتصر على القضايا العامة، وشارك ضمن مسابقات عالمية ومواقع الكترونية، وفي النهاية لا يمكن أن يستمر هذا المسار لأن فنان الكاريكاتير يريد العيش وكسب المال، وإذا لم يكن هناك مؤسسة ترعاه لن يستطيع الاستمرار.
وعن مستقبل فن الكاريكاتير قال الناقد التشكيلي سعد القاسم: لا يمكن أن أعرف ما هو مصير هذا الفن ولكن بالشكل الحالي للهيمنة الأمريكية على وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال لا يمكننا الشعور أن فن الكاريكاتير لديه فرصة في البقاء كفن صحفي ناقد ولاذع وحر، وإن تغيرت مستقبلاً هذه الهيمنة يمكن أن نحظى بنتيجة جيدة لمستقبل فن الكاريكاتير.

جُمان بركات