المغامرة التركية.. وسياسات أردوغان العدوانية
عناية ناصر
تجتذب النزاعات في الشرق الأوسط مجموعة من التدخلات، التي يمكن لأي منها أن يحوّل المنطقة إلى برميل بارود، ومنها التدخل التركي في النزاع الليبي الذي أضاف بعداً جديداً، بعدما وافق البرلمان التركي على مشروع قانون لنشر القوات التركية في ليبيا، لمساعدة وتقديم المشورة لقوات حكومة الوفاق الوطني ضد قوات الجنرال خليفة حفتر.
تكمن وراء هذا التدخل مطامع كبيرة في مصادر الطاقة التي تختزنها ليبيا، فقد زعمت تركيا أنها وقعت اتفاقاً مع ليبيا حول الحدود البحرية، رداً على خطط قبرص ومصر و”إسرائيل” واليونان لاستثمار الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط.
إذن النفط يقع في جوهر الصراع الحالي، حيث تنتهج الحكومة التركية سياسة خارجية عدوانية في شرق البحر المتوسط، ووصفت اتفاقها بأنه وسيلة لمنع محاولة تطويق تركيا. استنكرت اليونان وقبرص الاتفاقية التركية الليبية باعتبارها استفزازية، مشيرة إلى أنها تقوّض الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة.
كانت الخطوة التركية رداً على محاولات استبعاد تركيا من استكشاف الغاز في البحر المتوسط، فقد زعم رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان أنه لا يمكن المضي في أي مشروع دون موافقة تركيا بعد اتفاقها مع ليبيا.
تعتبر قبرص محاولة تركيا لاستكشاف الغاز في شرق البحر المتوسط استفزازية، كما هدّد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات، ووصف وزير الخارجية الأمريكي أنشطة تركيا بأنها “غير قانونية”. ومع ذلك، أعلن فاتح دونميز، وزير الطاقة التركي، أن مثل هذه الأنشطة “ستستمر بحزم”.
ترى الحكومة التركية التدخل في ليبيا باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف التركية في شرق المتوسط، لذلك تعمل القوات التركية على دعم حكومة الوفاق ضد قوات الجنرال حفتر كي تضمن مقعدها في المؤتمر الدولي حول ليبيا الذي عُقد في برلين- كانون الثاني الماضي.
تسعى تركيا إلى استخدام قوتها العسكرية لإجبار دول أخرى في المنطقة على قبول مطالبها، لكن عواقب إرسال القوات التركية إلى ليبيا قد تكون أكثر انعكاساً سلبياً في السياسة الداخلية من التدخل في سورية لأربعة أسباب.
أولاً، أسفرت محاولة الانقلاب التي حدثت في عام 2016 عن صعود النزعة القومية ومعاداة الولايات المتحدة في تركيا، بعد أن ظنّ الرأي العام أن الجنود الذين شاركوا في الانقلاب مرتبطون بحلف الناتو ورجل الدين المدعوم من الولايات المتحدة، فتح الله غولن، وهي فكرة عزّزتها الحكومة التركية.
ثانياً، أيّد غالبية الأتراك التدخلات في سورية ، وقبلوها كحرب ضد جماعة حزب العمال الكردستاني، كما ساعدت التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات على القادة الأتراك في كسب التأييد المحلي. لقد دعمت معظم الأحزاب السياسية في البرلمان التركي، باستثناء الحزب الديمقراطي الشعبي، سياسات أردوغان في سورية. ومع ذلك، لا تزال مكاسب تركيا غير واضحة. علاوة على ذلك، كان للتدخل ثمن، حيث قتل 180 شخصاً في عملية درع الفرات وعملية غصن الزيتون وعملية ربيع السلام، وتبع ذلك توسع الإنفاق الدفاعي، وهو ما يمثّل 12.9 في المائة من إجمالي الميزانية، وارتفع معدل البطالة إلى 14 في المائة، حيث تجاوزت العملة والتضخم 11 في المائة في كانون الأول.
ثالثاً، كان للجو القومي عواقب سلبية على اللاجئين السوريين في تركيا وكذلك على حكومة أردوغان، إذ يلقي القوميون الأتراك اللوم على مشكلات البلاد الاقتصادية بسبب سياسات اللاجئين الحكومية، ولذلك أعلن أردوغان خطة لإرسال اللاجئين إلى المنطقة الآمنة المزعومة في سورية، العديد من الأحزاب السياسية في تركيا لم تكن تفضل المغامرة مرة أخرى بعد أن استقطبت سياسات الحكومة التركية إدانة دولية نتيجة لممارسات تركيا في سورية. ورفض حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة والتنمية والحزب الديمقراطي مشروع قانون نشر القوات التركية في ليبيا. ووصفت المعارضة المغامرة الجديدة في ليبيا بأنها سياسة عثمانية جديدة. كما عارض حزب المستقبل، بقيادة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو -المسؤول الرئيسي عن سياسة تركيا في سورية- قرار إرسال قوات إلى ليبيا.
ويشير الحزب الديمقراطي والحزب الشعبي الديمقراطي أيضاً إلى أن سياسات الحكومة العدوانية خلال الحرب السورية والربيع العربي، بدعم من قادة مرتبطين بـ”الإخوان المسلمين”، أدّت إلى عزل تركيا وتدمير علاقاتها الجيدة مع سورية ومصر ولبنان وإيران.
رابعاً، شكّك النقاد في إقامة تحالفات جديدة في ليبيا.
إذ يصعب على تركيا الوصول إلى اتفاقات مع الدول الأخرى حول ليبيا، فقد تضع معركة إدلب وتدخل تركيا في ليبيا، تركيا وروسيا في موقع المواجهة مرة أخرى.
بدأ وقف إطلاق النار في ليبيا بوساطة روسيا وتركيا في 12 كانون الثاني الماضي. وإذا لم تحقق المؤتمرات الدولية حول ليبيا السلام، فإن تركيا يمكن أن تدمّر علاقتها مع روسيا وسيؤدي ذلك إلى عزلة تامة لتركيا في المنطقة.
في النهاية، للمغامرة التركية هدفان. أولاً، أنها ترغب في إبقاء حكومة الوفاق الوطني في السلطة في ليبيا لتأمين مزايا في شرق البحر المتوسط، وزيادة الأنشطة الاقتصادية في شمال إفريقيا عن طريق استخدام ليبيا كبوابة لإفريقيا من خلال إرسال قوات إلى ليبيا، ولكن ذلك سيعرضها لخطر فقدان الاحترام في الساحة الدولية. الهدف الأهم لحكومة أردوغان هو استعادة الشعبية في الداخل، حيث ساهمت المشكلات الاقتصادية، وتزايد العلمانية بين الأجيال الشابة والتكتيك السلطوي في خسارة الحكومة في الانتخابات البلدية لعام 2019، وخاصة في إسطنبول. علاوة على ذلك، فإن حزب العدالة والتنمية في أزمة، حيث يقوم زعماء الحزب السابقون بإنشاء أحزاب سياسية جديدة: حزب المستقبل لداود أوغلو، وهناك حزب آخر سيعلن تحت قيادة علي باباجان وزير الاقتصاد السابق. ولذلك قد يشعر أردوغان أن خياره الوحيد هو الاعتماد على تهديدات الدول الأخرى، وتحريضها على القومية، لاستعادة شعبيته.