أزهار الأقحوان.. قصص من الأدب الروسي المعاصر
يأخذنا كتاب “أزهار الأقحوان” من منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، ترجمة د.هزوان الوز ضمن المشروع الوطني للترجمة إلى مجموعة من قصص الأدب الروسي المعاصر، التي تدل على وجود منجز إبداعي رائع لغير أديب وأديبة من أبناء روسيا ليس جديراً بالقراءة فحسب، بل أيضاً بالترجمة إلى غير لغة من جهة وبالخلود في ذاكرة الأدب من جهة ثانية.
الكتاب يتضمن ثماني قصص لكتاب وكاتبات روس من أجيال مختلفة نشرت في السنوات العشر الأخيرة في كتابين وبمعدل أربع قصص في كل كتاب، الأول هو مجموعة قصص روسية معاصرة لمجموعة من الكتاب والكاتبات يحمل عنوان “طريقك” صادر في موسكو عام ٢٠١٧ ومنه اختار المترجم القصص الآتية (أم بالتبني، الحمامة البريدية، أزهار الأقحوان، أنت قادر) والكتاب الثاني يضم أفضل القصص المنشورة لعام ٢٠١١، صادر في موسكو عام ٢٠١٣ عن دار نشر الوحدة الإنسانية ومنه اختار القصص الآتية (مندرين، طرفة عادية، حلية أيقونة الجدة، التفكير غير ممكن) وفي هذه النصوص الثمانية يتعرف القارئ إلى عوالم إنسانية روسية المرجع والدلالة فهي على المستوى الأول صور عالية الدقة أو تكاد تكون كذلك عن المجتمع الروسي في السنوات الأخيرة من القرن الفائت ومن هذا القرن، وهي على المستوى الثاني تعني هذا المجتمع كما خرج من عباءة الاتحاد السوفييتي وكما هو في راهنه، وعلى نحو دال على تعبير هذه النصوص عن بشر يزدحمون برهافتهم الإنسانية العميقة مهما يكن من أمر كونهم ينتمون إلى عالم مغاير للقيم التي نشأت عليها المجتمعات العربية، حيث نقرأ في قصة “أزهار الأقحوان” التي يحمل الكتاب عنوانها والمترجمة عن الكاتبة الروسية ماريا سادلوفسكايا تسلط الضوء على الناس البسطاء الذين يعبرون حياتنا، وتؤكد أن كل ما يحدث من قصص مع هؤلاء يستحق أن نكتب عنه روايات كثيرة، وبطلة الرواية تدعى “أولغا” والتي كانت عند مشاهدة المتسولين لا تسرع في مشيتها على الإطلاق، بل كانت تكرمهم بصدقاتها وتحاول ألا تنظر في وجه المتسول لاعتقادها أنها تسبب له حرجاً أو ألماً، علماً أنها كانت تعلم أن ثمة ما هو أشد إيلاماُ وهو أننا نحن من ننتج الكسالى والمتسولين إلى أن يلفت انتباهها أحد المتسولين الذي يضع إلى جانبه “أزهار الأقحوان” والتي يحمل اسمها تقاطعاً في معناه مع تلك الزهور وما أن تراها حتى يبدأ سيل الذكريات يتدفق إلى حياتها متزامناً مع كلمته لها “لا يسمح للنساء بحمل الأحمال الثقيلة” لتكتشف في النهاية أن هذا المتسول ما هو إلا صديق قديم لها في العمل وعندما تقرر مساعدته يكون الأوان قد فات لأنه يفارق الحياة من دون حتى أن يعلم أنها تعرفت عليه، كما تقدم لنا قصة “أم بالتبني” للكاتب الكسندر ميليخوف صدمة من العيار الثقيل عندما تتخلص زوجة الأب من ابنه المعاق لتنعم براحة البال والسعادة بدون أن يهتز لها جفن، كما تحمل قصة “طرفة عادية” لكاتبها يفغيني أليوخين فلسفة عميقة لحياة عامل عادي، بينما تنقلنا القصص الأخرى على اختلاف أسلوبها وموضوعاتها إلى عالم من الحكايات غاية في الجمال والدلالة، وإن كان ثمة ما يمكن قوله فهو ما تقوله هذه النصوص نفسها وما يمكن أن يقدم معرفة عن تطور الكتابة القصصية في روسيا وعن تحولاتها ومغامراتها بآن، وهو ما تطمح إليه هذه الترجمات وهو أن تضيء جانبين “اجتماعي وفني” مع الحرص في الترجمة على تقديم جميع ما تتضمنه هذه النصوص في نسختها الأصلية وتقديم الدلالة الأعمق لهذه المفردة أو تلك ولهذا التعبير أو ذاك، مع الإشارة إلى أن إبداع أدباء روسيا وكتّابها اتسم بالانحياز إلى الإنسان المستغرق في ضآلته الطبقية، وبتركيز الرواد على الهدف والقصد والدلالة كما اتسم بطابعه الفلسفي وبقدرته على إشراك القارئ في تفكير عميق وشخصي بحثاً عن أجوبة للأسئلة الأكثر ضراوة في الحياة، فـالأدب الروسي على الرغم مما لحق به من أذى النفي هو واحداً من أكثر الآداب العالمية تأثيراً في نفوس القراء في بلدان متعددة نظراً لما يحتويه من تنوع في سرد القصص أو الروايات التي تأثرت بالوضع الاجتماعي في روسيا القديمة، فظهرت أعظم الأعمال الشعرية والنثرية والمسرحية وارتبط الأدب الروسي بمجموعة من الأدباء العمالقة والمؤسسين الذين وصل معظم نتاجهم إلى أصقاع مختلفة مترجماً إلى أكثر من لغة.
لوردا فوزي