المغامرة في فضاء اللغة في “العابر في كانون وبالأمس كنا”
يصف الناقد أحمد صالح نصار الشاعرة هناء أبو أسعد التي وقعت كتابيها “العابر في كانون”و”الأمس كنا”مؤخراً في ثقافي “أبورمانة” أنها شاعرة تدفع الفكرة فوق مستوى الشيء الوقتي حيث تضعها في مستوى ما هو أبدي وخالد من خلال لغة سهلة وبسيطة في مفرداتها المركبة ذات التفاعل الذي لايأتي من تنافرها أو تباعدها إنما من انسجامها وتضافرها في كينونة نسقية، مشيراً إلى أن العنوان جاء في ديوانها الثاني “بالأمس كنا” بمفردتين نسجتهما دون مواربة أومراوغة.
مغامرة في فضاء اللغة
ولأن من سمات العنوان الموفق أن تكون تراكيب مفرداته منطقية تحمل اثارة داخلية على مستويين جاء “بالأمس كنا” برأي صالح بمستوى مباشر يفهم ظاهره الجميع وآخر رمزي يشي بالحضور القوي للآخر الذي تخّفى في العنوان ويظهر جلياً في فضاء الديوان، مبيناً أن العنوان مغامرة في فضاء اللغة وهوموفق لشد حفيظة القارئ للدخول إلى فضاء الديوان ليقف على ذلك الأمس وعن كنا فجاء مكملاً ذاته:”فلو قالت “بالأمس” فقط، لكان هناك غموض كاتم ولو قالت “كنا” كان القارئ بحاجة لأن يستعين بالمخيلة ليرسم مشهد “كنا” موضحاً صالح أن الشاعرة تبدأ ديوانها بقصيدة “هناء”ومنذ البداية تبدأ بالأنا التي تخفت بشدة في العنوان في مفردة كنا: بقلبك أغفو/ويغفو فؤادي/ بقلبك مثل نجوم/السماء/فإن قلت: عشقاً/تقول: هياماً/ويصرخ قلبك حباً/”هناء”.
تناقضات وفوضى
يشير صالح إلى بوح الشاعرة ذي الشجون والعاطفة العاصفة القوية التي تحمل غليان الحب الذي لا يفهمه أو يعرفه إلا صاحبه لما فيه من فيضانات ذات تناقضات وفوضى عاطفية حاولت الشاعرة أن تمنطقها لتكون ذات صبغة تعبيرية إنسانية شفيفة:
“في يوم ميلادي/ سأبقى في محرابي/انسج حلماً/ يشاركني فيه المحبون/ وهم يصرخون: نحبك/حتى انبلاج الصباح”.
كما يتوقف صالح عند بعض قصائد الديوان مثل: هذا اليوم،ارحل بصمت، و”بالأمس كنا” التي وجدها قصيدة امتازت بالحوار بين الأنا والأنا الآخر:
“بالأمس طرقت بابي ودخلت/بلمسة كنت أنا/ وكنت أنت/اليوم لا أنا أنت/ولا أنت أنا”
في حين تتوحد الشاعرة في قصيدة “هويتي” مع فكرة التصالح الاجتماعي المعيشي وترى الشهيد في قصيدة “يا من عانقت السماء” الرمز المقدس:
“هم حاولوا إطفاء نور النهار/فصرت رمزاً/للمجد والفخار/ يا لهم من أغبياء لقد/أعادوك ضياء/عطر تراب أرضنا/حنين”
وتبين الكاتبة فاتن ديركي في مشاركتها بقراءة ديوان “بالأمس كنا” أن الشاعرة أبو أسعد كتبت بوحاً رقيقاً على أوراق الورود ففاح عطرُه متناغماً مع شفافية الكلمة ولحن الشعور،مبينة أن في نصوصها حنين للحب والأرض والشجر والوطن ولهدوء القرية التي تركتها لتستقر وسط أضواء المدينة والحضارة الخادعة لتبقى تحلم بالرجوع إليها حيث الأشجار والبراري والحقول الخضراء فيؤرقها الشعور بالذنب لترك القرية معتذرة لها بكثير من الألم:
“أيتها النائمة في سرير المجهول/على سفوح جبالك الخيرة/بعد كل هذا الكرم/والتضحية.. تركناك!/عشنا مستنقع الكذب والخداع”.
مشيرة ديركي كذلك إلى حنين من نوع آخر تبوح به وهو حنين لحبيب أبعده الغياب:
“لماذا يا سيدي؟/في غيابك يملؤني الخوف؟/تخيفني الغربة؟/ويأتي صوتُك صفاءً للقلب/خمرةً تنتشي بها الروح”.
وفي لحظة سأم ويأس تطلق وعيداً يحذّر من تحب من عذاب الندم ومغبّة الاستهتار فتقول:
سيسير نعشي أمام عينيك/وتصفرُّ أوراقي وتسقط/ستحرق البخور/وتشعل الشموع/على قبري/وتكتب سلاماً/يامن منحتِني أجنحةً كي أطير”
لتهتف الشاعرة في نهاية المجموعة كي يعيدَ اكتشافَها لتولدَ من جديد وتغدو حكايةً تكتبها الطبيعة او زهرةً تزين شرفة كل عاشق:
اقرأ من جديد.. اقرأني/اقرأني كما أنا/ربما تصلُ إلى القلب/فيحيا من جديد
وفي خضم هذه المشاعر تشير ديركي إلى أن الشاعرة تبكي جراحَ الوطن في ديوانها لتختلط مشاعر الحب والشوق مع مشاعر الألم والحزن:
أُلوّنُ صفحاتي بنزيف كلماتي/تزينُ وطنَك بجراح قلبك/كلانا.. مرآتان صافيتان/رغم الغبار الذي يطوّقُنا”.
وتنهي ديركي كلامها مؤكدة أن الشاعرة أبو أسعد حملتنا بحروفها المضيئة إلى عالم الحب والجمال وأهدتنا أجنحتها لنحلّقَ بها تارة في سماء الروح لنسمع تراتيل قلب محب صادق، وتارة إلى قريتها الجميلة لنملأ أعيننا بجمالها وسحرها ونشمَّ ترابَها المخضّب برائحة عرق من يزرعونها بالحب والعطاء والأمل.
اختتم حفل التوقيع الذي قدمته الإعلامية بدور الموسى بقراءة الشاعرة هناء أبو أسعد بعض ما كتبته في الديوانين.
أمينة عباس