لدرجة التباخل
معهم حق من يؤيدون فكرة تقليص وتحجيم النفقات والصرفيات إلى أدنى حد ممكن، حتى ولو تطلب الأمر توقفاً لبعض المشروعات والخطط والبرامج، فبسط اليد كل البسط في هذه الظروف العجاف يعد ضرباً من الجور بحق المال العام ونسب الإيرادات على قلتها في زمن الحرب الاقتصادية الضروس التي نعيش.
ليس جديداً على الحكومات في الأزمات أن تحزم أمرها باتجاه “شد الأحزمة” على بطون المؤسسات تجنباً للوقوع في شر العوز المدقع الذي لا يحمد عقباه، ولاسيما أنه ورغم سنوات الأحداث الثلاث مازال التحدي الذي لم تستطع كبريات الدول الاقتصادية إليه سبيلاً ألا وهو استمرار الصرفيات ولو بحدودها الترشيدية، إلا أن الإنجاز الأهم بأن الدولة قوية والدليل استمرارها ليس فقط بضخ ملايين الرواتب بل بالتحكم بكل القطاعات والمفاصل الاقتصادية والمعيشية، لدرجة أن المواطن يمر بأيام وبأماكن لا يشعر فيها بتاتاً أن البلد في حالة حرب.
ليس خفياً أن ثمة جهات يتطلب عملها تحويلات مالية مركزية لا تقبل التأجيل، ليس الهدف منها الرواتب والأجور التي تعد عند بعض المؤسسات الصرفيات الوحيدة واليتيمة، بل المسألة متعلقة بخدمات ترتبط مباشرة بصلب الحياة اليومية للناس، وهنا مربط الفرس الذي تشتغل عليه الحكومة وقوامه تفضيل الأولويات على أي كماليات أو شؤون تحتمل الترحيل إلى الأمام.
ومع إدراك أصحاب القرار ومعهم المجتمع بكافة شرائحه بأن سلم الأولويات متفق على درجاته، فإن تأمين مستلزمات الحياة الأساسية من مواد غذائية له الصدارة، في الوقت الذي لا يجد البعض فرقاً بين هذا المنتج أو تلك الخدمة ولو كانت صغيرة، فتراكم المؤجلات قد يوصل إلى مستوى لا يمكن من بعده الحل نظراً للتعقيد وتعاظم الفاتورة التي ستدفع لاحقاً.
هنا يمكن القول: إن الدخول في تفاصيل الأداء الإنتاجي والخدمي يتحتم على المعنيين الوصول إلى مرحلة “التباخل” المطلوب، ولكن هذا الفعل يتنافى مع متطلبات التوظيف التي تستلزم نفقات مباشرة لزوم الصيانة والتشغيل لبعض المعدات والتجهيزات، ليس لشركة أو معمل منتج بل لمستوى بلدية صغيرة يشكو مجلسها المحلي من فقر حال.
بالعموم هناك دراية ومراعاة للظروف، ولكن أن تصل الأمور إلى درجة خلو صناديق بعض الجهات الخدمية من أية مبالغ، يعد تطوراً مؤرقاً يستدعي تحريك مبالغ لطالما أكثرت وزارة الإدارة المحلية منها للوحدات الإدارية، ولكنها توقفت منذ حين دون توضيحات لغاية اليوم.
علي بلال قاسم