هل تضاف إلى قائمة الدعم؟ “المتة” تستنزف ٩ مليارات ليرة سنوياً في السويداء.. ومطالب بالبحث عن بدائل محلية!
مع تقلبات الأسعار، وفوضى الأسواق، تبرز أزمة المتة لتكون الشغل الشاغل للأسر، حيث يسارع تجارها للتلاعب بأسعارها ورفعها وفق أهوائهم مستغلين تعلّق الناس بها، وشراءها مهما بلغ سعرها، مع وجود حالة ترقب وانتظار لحسم لعبة عض الأصابع بين الوزارة التي قررت إلزام التجار بالأسعار الجديدة للمادة، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق البائعين المخالفين، والوكيل الذي وجد في حرمان الأسواق من المادة أداة ضغط لرفع الأسعار، وريثما يعلن من هو الفائز بلعبة عض الأصابع تلك، نقف ونتساءل: لماذا المتة؟! وهل ستكون باكورة المستوردات التي ستتم إعادة النظر بأسعارها، خاصة تلك التي تتمتع بحصرية وكالات استيرادها؟! وهل ستفتح أزمة المتة وتلاعب التجار والوكلاء والمستوردين الباب أمام مراكز البحوث بإيجاد بدائل محلية، وقطع الطريق أمام تحكّمهم بالمادة؟!.
“كاسة الواجب”
“كاسة المتة”، أو ما يعرف بين أهالي السويداء بأنها “كاسة الواجب”، تعتبر عنصراً أساسياً من عناصر الضيافة، ودونه قد لا تكتمل الزيارة في كثير من الحالات لما له من أهمية في عقد جلسات السمر والحوار والنقاش، والأجواء الحميمية التي تضفيها طقوسها على الحاضرين، أما اليوم، وفي ظل دخول المادة في عملية احتكار وتلاعب واضحة الهدف والمصدر، بات على صاحب الأسرة تخصيص وقت ليس بقليل لتأمين المادة، أما الاعتذار عن تقديمها للضيوف فبات أمراً مقبولاً بسبب قلتها، وصعوبة تأمينها،
تقول ناديا، “سيدة منزل”: إن المتة مشروب أساسي في حياتها، ويمكن أن تستهلك علبتي متة في الأسبوع، وحاولت مراراً استبدالها بنوع آخر من المشروبات الساخنة ولم تستطع ذلك، ومع ارتفاع سعر علبة المتة اليوم تقول ناديا إنها تحاول الدخول في مرحلة التقنين بشرب المتة، ولكن لا يمكن مقاطعتها، واعتبرت أن الدعوة لمقاطعة المتة اقتصرت على صفحات التواصل الاجتماعي.
أما أنس، صاحب أحد محال الألبسة، فقال: إنه منذ يومين وبعد ارتفاع سعر علبة المتة استبدلها “بالزهورات”، ولكن لا يعلم إلى متى سوف يستمر بالامتناع عن شرب المتة التي كانت حاضرة منذ ١٠ سنوات في كل صباح يذهب فيه إلى محله.. طبعاً هناك الكثير من الحملات “الفيسبوكية” التي تطالب بمقاطعة المتة، إلا أنها رغم ارتفاع سعرها الأرخص بالنسبة لسميرة التي تقول إن المتة تعتبر من العادات الاجتماعية التي يصعب تغييرها إلا إذا انقطعت تماماً من الأسواق، وهذا يتطلب إجراء حكومياً، وذلك صعب على حد تعبيرها، ويبقى الحل بدعم المادة أسوة بالشاي.
تحكّم وتلاعب
طبعاً بشكل طبيعي المستهلك يرمي الكرة بملعب وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي من المفترض أن تلعب دوراً إيجابياً في ضبط الحالة، وعدم جعلها عرضة للابتزاز من قبل التجار والسماسرة، وهنا يشير مصدر في مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك إلى أنه لا توجد كميات من المادة تكفي حاجة المستهلك، ونسبة الاستهلاك المعتادة، وهناك تواصل دائم مع المؤسسة، ومع معرفة كمية التوزيع على المراكز والمحلات، يلاحظ أن في السوق طلباً كبيراً على المادة، وربما يعمل الكثير من الناس على تخزينها، وأخذ ما يزيد عن حاجتهم، وكل الأسباب واردة في هذا الشأن، ولا توجد خطوط واضحة لمعرفة متى ستعود إلى السوق بشكل كاف كما كانت، والأمر يتعلق بالمركز الرئيسي في دمشق، وأضاف بأن الأسعار ستكون كما أقرتها الوزارة، ٦٠٠ ليرة سورية لا أكثر، وهناك دوريات مستمرة على المراكز والمحلات لمتابعة أسعار المواد، والتوزيع يكون بشكل يومي في المحافظة وقراها، ما يعادل 3 أو 4 أطنان.
بدورها أعلنت “مجموعة كبور الدولية” استمرارها بطرح منتجاتها من المتة في الأسواق بالأسعار والكميات السابقة نفسها دون تغيير، مع تقديمها دراسة سعرية جديدة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لإعادة التسعير وفق الكلف الحالية، وبيّنت الشركة في بيان صادر عنها اطلعت عليه “البعث” أن ما يتم الحديث عنه من نقص لبعض الماركات مثل ببوري يعود إلى الطلب الكبير عليها الذي أدى لرفع سعرها من قبل بعض أصحاب المحلات، إضافة لتهريبها إلى لبنان نتيجة الفارق السعري الكبير الذي تزايد مؤخراً متأثراً بأسعار الصرف، حيث إنها مادة مستوردة،
وأضافت بأنها حريصة على استمرار توفر المتة في الأسواق وبأقل سعر ممكن رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجه هذا الأمر، بما في ذلك عمليات الشحن، والتحويلات المالية، ويساعدها في ذلك أنها تقوم بتجهيز المادة في الأرجنتين بدءاً من مرحلة الزراعة، وبالتالي فالأسعار الموجودة في سورية هي الأدنى عالمياً.
وأكدت الشركة أن سعر متة خارطة في سورية حالياً هو أقل من 75 سنتاً، بينما سعرها في لبنان بحدود 1.3 دولار، وفي تركيا 1.9 دولار، وفي الإمارات 1.6 دولار، وهذا الفارق يساعد على تهريبها من سورية.
الدراسات تقول
من خلال الدراسات الاستقصائية والتجريبية يمكن أن نجمل أهم الخواص التي يتمتع بها شراب المتة، فالكل يعلم أنه قبل استعمال أوراق المتة يتم تجفيفها بصوان على لهيب، ثم تحميصها لقتل أنزيمات التخمر، والحفاظ على اللون الأخضر كي لا يتحول إلى لون أسود عند التجفيف الطبيعي، ثم تجرش وتعبأ في عبوات خاصة كالعبوات المعروفة في بلادنا، حيث تصبح جاهزة للاستعمال، ويستعمل منقوع المتة الساخن الذي قد يحلّى قليلاً بالسكر بديلاً عن الشاي والقهوة لعدم الشعور بالعطش، ويزيد من الحركات التقلصية للأمعاء، ونتيجة لاحتواء الأوراق على “قلويد الكافئين” فإن استعمالها يؤدي إلى تنبيه الجملة العصبية المركزية، مشابهة بذلك للتأثير الناتج عن شرب القهوة والشاي، ووجدت دراسة إحصائية أجريت في المناطق التي يستعمل فيها منقوع المتة الساخن كشراب واسع الانتشار، ولاسيما في سورية ولبنان، بنسبة عالية، أن بعض مسببات الالتهابات البولية، والرمال البولية، والحصاة الكلسية خاصة، (التي لا تخلو منها عائلة تقريباً في السويداء)، تعود له!.
يقول الأستاذ الدكتور عادل الحرفوش، الباحث في هيئة الطاقة الذرية السورية: إنه لدى الدراسة المخبرية تبيّن أن أنواع المتة المستوردة من الأرجنتين ملوثة بنظير البولونيوم-210 المشع (المصدر لجسيمات ألفا)، ونظراً لانحلال جزء كبير من نظير البولونيوم هذا في نقيع المتة، وبعد إجراء الحسابات المتعلقة بشدة الإشعاع الصادر عن هذا النظير، تبيّن أن تناول نقيع “باكيت” من المتة (250غ) يؤدي إلى جرعة إشعاع داخلية سنوية قدرها 0,1 ملي سيفرت تقريباً، وبيّن الحرفوش أن هذه الجرعة تكافىء عشر الحد المسموح به لعموم الناس، بغض النظر عن حالتهم الصحية، وإذا أخذنا بعين الاعتبار الحد المسموح به للجرعة الإشعاعية التي تأتي من جميع المواد التي يتناولها الإنسان في غذائه، ومن الهواء المستنشق، ومن البيئة المحيطة، والإشعاع الكوني، ندرك أن التعرّض لجرعة داخلية بهذا القدر من مادة المتة لوحدها يشكّل عاملاً ضاراً جداً ولا يمكن تجاهله، وحذر الدكتور الحرفوش من المبالغة في تناول نقيع المتة، ودعا مركز البحوث الزراعية للبحث عن بدائل محلية لهذه المادة المستوردة، والاستفادة من التنوع الحيوي، وتعدد النباتات الطبية المتوفرة في بلدنا الناجمة عن البيئة الفريدة في منطقتنا الغنية بالإشعاع الشمسي، وبتمايز الفصول الأربعة.
حساب الورقة والقلم
نعود إلى لغة الورقة والقلم، فالاستهلاك اليومي لمحافظة السويداء من مادة المتة يصل إلى 32 ألف علبة متة، بمصروف مالي يزيد عن 25 مليون ليرة، أي ما يزيد عن 9 مليارات ليرة سنوياً، وهذا المبلغ كفيل بإنشاء مشفى بأحدث التجهيزات، طبعاً يضاف إلى هذا المبلغ نصفه تقريباً بالمكسرات المرافقة لجلسات المتة، إضافة إلى هدر الوقت التي تسببه تلك الجلسات الجماعية، وبالتالي فإن هذا الاستهلاك اللاعقلاني والعشوائي المرهق لهذا المشروب يكبّدنا الكثير، لكننا مازلنا متمسكين به، وبالتالي هي دعوة لاستنفار كافة مراكز أبحاثنا واقتصاديينا لوضع حلول بديلة تكون أكثر نفعاً وفائدة، وتحفظ مليارات الليرات داخل حدودنا، والانطلاقة من ثروتنا النباتية التي لم تتأثر على الأقل بأي إشعاع، قد يكون مطلب دعم المادة حكومياً وارداً في ظل تزاحم مواد الدعم على البطاقة الذكية.
رفعت الديك