حصاد الزيوان الزراعي؟
لم يهدأ بعدُ هدير الخلاف الوجودي بين الاتحاد العام للفلاحين، واتحاد غرف الزراعة السورية. ويبدو أن مواقف كلا الطرفين تجسّد مجازياً ملحمة “حرب البسوس” التي استمرت عشرات السنين لتحقيق مصالح شخصية لا علاقة لها بالسبب الرئيسي لاندلاعها.. واليوم استمرار المناوشات الطاعنة بشرعية وأحقية كل طرف في العمل على الساحة الزراعية والمحاولات المتكررة لانتزاع حق تمثيل الفلاح واحتضان قضاياه.. يشكّل أحد أهم أسباب تراجع الأداء الزراعي وضياع بوصلة القرار في هذا القطاع الذي بات الفلاح فيه الحلقة الأضعف، حيث يحصد شتى أنواع الخسائر في مختلف المواسم التي تكون حصيلتها بالعموم “الزيوان” المتراكم في بيادر الجهات الزراعية المعنية.
وبصراحة تستحضرنا عشرات التساؤلات عند قراءة دعوة اتحاد غرف الزراعة في أحد تصريحات رئيسه حول جعل القطاع الزراعي قطاعاً تنافسياً قادراً على تحقيق الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة.. وبالطبع الإشارات الاستفهامية هنا تخص القيمة المضافة التي يقدمها الاتحاد من هذا التأكيد الذي هو بحكم المسألة البدهية المثبتة بالتجربة الزراعية الطويلة في سورية، وثانياً بالعلامة الفارقة التي يسعى الاتحاد لامتلاكها بحضوره الزراعي، وإذا تابعنا القراءة في التصريح سنجد الكثير من التشابه بل التوءمة بينه وبين الجهات الأخرى، من حيث الطموحات والأهداف والرؤية والأعمال التي يضعها الجميع في خانة “الإنجازات” نظرياً رغم ضآلة ما تحققه من عوائد على القطاع الزراعي الذي على ما يبدو كتب عليه بوجود الكثير من المنظرين أن يبقى عالقاً فيما يسمى مرحلة تقييم الوضع الراهن والبحث عن الاستراتيجية الملائمة لانتشاله من الواقع الذي وصل إليه.
وما يثير القلق أن لعبة شدّ الحبل التي تمارس داخل القطاع الزراعي تحت عنوان التطوير الزراعي وتحسين الإنتاج والوضع الاقتصادي للمنضوين تحت هاتين المظلتين.. باتت أكثر حدة وتنافسية على المصالح الشخصية، وتحمل شعاراً استفزازياً (أكون أو لا أكون) وبشكل يهدّد صوابية القرار الزراعي، وبدلاً من أن تساعد هذه الحالة التنافسية على تحقيق خطوات متقدمة في المشاريع الزراعية والنهوض بواقعها ومعالجة الكثير من الملفات الزراعية، نجد حالة من التشنج ومحاولات ضاغطة باتجاه التحييد والإبعاد والإقصاء بعيداً عن أي عملية دفع حقيقية للعمل الزراعي ولحياة الفلاح.
إن ما يجري في كواليس إثبات شرعية التمثيل أو الإقصاء يضع الزراعة ومصير الفلاح في مهبّ الريح، فتشابه المهام والأدوار ربما لا يخدم ضرورة عمل كلتا الجهتين اللتين نقف على مسافة واحدة منهما، إلا أنه في النهاية لابد أن يكون هناك جهة واحدة قادرة على احتضان أوجاع الفلاح ورعاية مصالحه في ظل تطابق الأهداف والغايات حسبما هو وارد في القوانين الناظمة لعملهما، وحسب الحضور الفعلي في حياة الفلاح.
ولن ننسى التأكيد أن تعدّد الجهات يربك العمل الزراعي ويضع مصالح الفلاحين في مرمى المجهول، وخاصة مع اشتعال المنافسة السلبية بينهما. فأين هي الحقيقة في هذه المواجهة؟ وما هو موقف الجهات العليا ممّا يحدث؟ وهل تعدّد الجهات وتشابك مهامها وخلق المزيد من الكراسي يخدم أو يسهم في تسريع وتفعيل العجلة الزراعية، أم أن القصة من ألفها إلى يائها لا تخرج عن البريستيج والبحث عن المناصب أينما كانت؟.
بشير فرزان