حليف قوي في السعودية!!
ترجمة وإعداد: علاء العطار
قال دونالد ترامب ذات مرة: “لولا السعودية لكانت إسرائيل في ورطة، فهل يعني ذلك أن إسرائيل ستفنى؟ أتريدون الفناء لإسرائيل؟ لا خوف، فلدينا حليف قويّ في السعودية”.
إنّ لفي ثنايا هذا التصريح حقيقة مرّة وخطيرة في آن معاً، ولو أنها ليست جديدة على مسامعنا، وهي الدعم السعودي الصفيق للكيان الصهيوني، والذي تحوّل خلال العقود الماضية من السر إلى العلن في شكل علاقات وطيدة وتحالف وثيق، وما هذا التصريح سوى غيض من فيض الدلائل الدامغة على صهيونية آل سعود.
قبل فترة وجيزة، قام محمد العيسى، وهو “شيخ” سعودي بارز، بزيارة ما يسمى معسكر الاعتقال النازي “أوشفيتس” في بولندا للاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لتحريره، حيث يزعم المكتب الصحفي لمركز أوشفيتس التذكاري بأنه قُتل فيه نحو مليون يهودي خلال الحرب العالمية الثانية.
لا تمثّل هذه الزيارة بحدّ ذاتها وصمة عار في حياة مسلم، فالدين الإسلامي يحرّم على المسلمين القتل دون وجه حق لأي إنسان كان، بصرف النظر عن دينه وعقيدته وعرقه، لكن المشكلة تكمن في أن العيسى من أكبر حلفاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي لا يهتمّ أبداً بحرمة الحياة الإنسانية، لذا فإن لهذه الزيارة دلالات سياسية جليّة وواضحة تتجاوز أي سياق، إذ أراد ابن سلمان، عبر إرساله العيسى، أن يظهر دعمه وولاءه للكيان الصهيوني، الذي يستغل أسطورة “الهولوكوست” لأهداف استعمارية جيوسياسية.
يستخدم ابن سلمان دُماه، أمثال العيسى وغيره، لأغراض كهذه، كما لو أنه يريد إظهار هويته الصهيونية، فعلى سبيل المثال، يقودُ رئيس رابطة العالم الإسلامي، التي تتخذ من مكة المكرمة مقراً لها، جهودَ التقارب مع من يلقبون أنفسهم بالمسيحيين الإنجيليين الذين يعبّرون عن صهيونيتهم الراسخة عبر دعمهم القوي “لإسرائيل”، على الأقل في الولايات المتحدة، ودعا العيسى إلى تشكيل وفد إسلامي- مسيحي- يهودي للسفر إلى القدس، وهو ما سيمثّل في الواقع مثلثاً صهيونياً.
لا تعدّ الصهيونية ديانة على الإطلاق، وهناك الكثير من الصهاينة غير اليهود الذين يؤيدون قيام دولة “يهودية” في فلسطين المحتلة، كما أن تعريف الصهيونية لا يحدّد دين أتباعها، وهذا ما يؤكده الكاتب الصهيوني شيري عوز، وهو أحد المؤلفين الذين يصرّون على أن بإمكان غير اليهود أن يكونوا صهاينة. لذا لا ينبغي علينا أن نشعر بالصدمة من وجود صهيوني مسلم في هذه الأوقات الحالكة.
كتب الإسرائيلي جوناثان أوفير في تدوينة له على موقع موندويس في عام 2018: “يكمن ادّعاء (الدولة اليهودية) في طريقة محاولة الصهيونية إخفاء قناعها العنصري، تحت شعار (تقرير مصير الشعب اليهودي) المزعوم، وعنى ذلك في نظر الفلسطينيين تجريدهم من أملاكهم”.
وبصفته الحاكم المطلق في السعودية، قام ابن سلمان بسجن عشرات الفلسطينيين، من بينهم أسماء بارزة في المقاومة الفلسطينية، وهو بذلك يخدم مصالح الكيان الصهيوني، كما أنه لام الفلسطينيين بكل صفاقة لعدم موافقتهم على صنع السلام مع دولة الاحتلال، وكتب دانيال بنيامين في مجلة “مومينت” أن ابن سلمان “انتقد الفلسطينيين على تضييعهم فرصاً ثمينة”.
ونقل الصحافي الصهيوني باراك رابيد عن ابن سلمان قوله: “خلال الأربعين عاماً الماضية فوّتت القيادة الفلسطينية مرةً تلو الأخرى الفرص ورفضت أي اقتراح قُدّم لها”، وكأن هذه الكلمات صدى لكلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، آبا إيبان، وهو أحد الصهاينة المؤسّسين “لإسرائيل”، والذي قال إن الفلسطينيين “لا يفوتون فرصةً لتفويت فرصة”.
دعم ابن سلمان صفقة القرن التي طرحها دونالد ترامب، وتحقّق أهداف الصهاينة وطموحاتهم على حساب حقوق الفلسطينيين، كما شارك في مؤتمر البحرين، وهو المنتدى الذي أعلن فيه عن الجانب الاقتصادي لهذه الصفقة المقيتة، وقدّم هذا المؤتمر “غطاء للعديد من الدول العربية لحضور الحدث وإثارة غيظ الفلسطينيين”. واعترف الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو لمسؤول فلسطيني أن “السعوديين مارسوا ضغوطاً عليهم لنقل سفارتهم إلى القدس”، فأي دليل نحتاجه بعد على صهيونية محمد بن سلمان؟!.
وقال مايك إيفانز، وهو مسيحي إنجيلي ومؤسّس “متحف أصدقاء صهيون”، بعد زيارته عدداً من دول الخليج إن “زعماء تلك الدول موالون لإسرائيل أكثر من العديد من اليهود”، في إشارة واضحة إلى ولي العهد السعودي ونظيريه الإماراتي محمد بن زايد، والقطري تميم بن خليفة.
وكتب الكاتب والمصوّر الإسرائيلي- الأمريكي، يوآف ليتفين: “تؤدي جميع أشكال الصهيونية إلى النهاية الرجعية نفسها في التوسّع غير المكبوح واستمرار المستوطنين في إبادة الشعب الفلسطيني”. وبالتالي، قد نرى في المستقبل القريب تدشين سفارة إسرائيلية في الرياض، وسفارة سعودية في تل أبيب، لا بل في القدس على الأرجح، وبالنتيجة، هل محمد بن سلمان صهيوني؟ لا ريب أنه كذلك.