تحديات الأمن الغذائي العربي
إبراهيم أحمد
تأتي قضية الأمن الغذائي العربي على رأس قائمة التحديات الرئيسية التي تواجه الدول العربية لتأمين الغذاء الكافي للمواطن العربي، والسعي إلى التمكّن من الوصول إلى اكتفاء إنتاجي ذاتي، وخاصة في ظل تقارير تتحدث عن نقص حقيقي في الغذاء، وتسجيل مستويات مرتفعة من سكان الوطن العربي الذين يعيشون تحت خط مستوى الفقر.
على الرغم من الموارد الطبيعية المتاحة والمتوافرة في الدول العربية متمثّلة في الأرض والمياه والموارد البشرية، إلا أن الزراعة العربية لم تحقّق الزيادة المستهدفة في الإنتاج اللازم لمواجهة الطلب على الأغذية، الأمر الذي أدى إلى اتساع الفجوة الغذائية الرئيسية. فالأرقام التي ترد في تقارير المنظمات العربية والدولية تعطي صورة غير مريحة لواقع القطاع الزراعي العربي وما يترتب عليه، والمساحة الخاصة بالأراضي المزروعة لا تتجاوز 5% من مجمل مساحة الوطن العربي، ونسبة الاستثمارات في القطاع الزراعي تصل إلى حدود 9% من إجمالي الاستثمارات العربية في القطاعات الإنتاجية الأخرى . وتساهم الزراعة بنحو 13% من الإنتاج المحلي للوطن العربي رغم اشتغال معظم اليد العاملة في هذا المجال، أما الوطن العربي فإنه يستورد من الخارج أكثر من نصف احتياجاته من السلع الغذائية الرئيسية.
الأمن الغذائي هو توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة دائمة من أجل حياة صحية ونشطة. وتعتبر زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية لتلبية احتياجات الاستهلاك المحلي من السلع الغذائية إحدى المقومات الرئيسية للأمن الغذائي. وعلى الرغم من تحقيق زيادة في إنتاج الحبوب والمحاصيل الرئيسية إلا أن قيمة الفجوة للسلع الغذائية الرئيسية قد استمرت في التزايد، واستمر العجز في بعض المحاصيل الرئيسية، وقد شكّلت السلع الغذائية التي يستوردها الوطن العربي نحو 76% من قيمة فجوة السلع الغذائية الرئيسية.
وبالفعل فإن الوطن العربي يعاني من مشكلة حقيقية تواجهها الحكومات العربية متمثّلة في كيفية توفير الغذاء اللازم، دون الوقوع تحت الضغوط السياسية والاقتصادية من جانب الدول الرئيسية المنتجة للغذاء. وليست المشكلة في قيمة الفجوة في الوقت الراهن، لكن المشكلة الأكبر تتمثّل في زيادة معدلات نمو الفجوة الغذائية في العديد من الدول العربية، وذلك لأن الإنتاج المحلي عاجز عن تلبية الاحتياجات المتزايدة للطلب المحلي، وخاصة مع زيادة معدلات النمو السكاني التي تُولّد ضغوطاً على الإنتاج المتاح.
وكما هو معروف، فإن الأزمة المالية العالمية عام 2008 كانت قد فاقمت الأزمة الغذائية العربية، وخصوصاً على صعيد الارتفاع الكبير الذي طال أسعار الغذاء والكثير من المحاصيل الزراعية التي يستوردها الوطن العربي. كما زاد من الأزمة الزيادة المطردة في حجم السكان التي تتسبّب في تناقص كمية الغذاء ومعه القيمة الغذائية للمواطن، قياساً إلى ما يناله الفرد في المجتمعات المتقدمة. يترافق ذلك مع تقارير تتحدث عن ضعف الإنتاجية المتزايد في أكثر من بلد عربي. وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة “الفاو ” إلى ارتفاع متوقع في الأسعار العالمية للسلع الغذائية خلال العقد القادم وبنسب مختلفة، وذلك في ضوء استمرار النمو السكاني المرتفع وتحسّن الأوضاع المعيشية في الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة، والتغيّرات المناخية، وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
وبالنسبة للوطن العربي فإن استيراد الأغذية راح يتزايد منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، بل ويلاحظ ازدياد نسبته في السنوات الأخيرة. وإذا ما استمرت معدلات الزيادة على حالها دون حدوث تغيير، فإن الفجوة قد تصل إلى معدلات مخيفة. في عام 1990 بلغت قيمة الفجوة الغذائية العربية نحو 11,8 مليار دولار، وفي عام 2007 ارتفعت تلك القيمة إلى 23,8 مليار دولار. وفي عام 2010 أكثر من 27 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 44 مليار دولار هذا العام، وذلك حسب تقديرات المنظمة العربية للتنمية الزراعية.
إلى ذلك، فإن تأمين الغذاء يشكّل عنواناً أساسياً للسياسات التنموية في الوطن العربي، وبمقدار ما تتعاطى هذه السياسات مع قضية التنمية باعتبارها تنمية بشرية شاملة، وليس مجموعة إجراءات اقتصادية، بمقدار ما يمكن تلمّس النتائج الخطرة لتفاقم مشكلات الغذاء ووضع تصورات للتصدي لها، وليس بخافٍ على أحد أن الأمر أولاً وأساساً يتصل بمسألة الفقر وكيفية الحدّ منه والتخفيف من آلامه، وهنا تبرز أهمية تأمين الغذاء كون ذلك المفتاح لحل المشكلة. ذلك أن الفقر والجوع يتسبّبان اليوم بمشكلات أول مظاهرها انعدام الاستقرار واندلاع الاضطراب في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فالفقراء يشكّلون الخزان البشري الأكبر الذي تحاول الحركات الإرهابية المتطرفة استغلال حاجته إلى رغيف الخبز، وحيث هناك الملايين من السكان المحبطين واليائسين، تقدّم الحركات المتطرفة لهم الأمل الخادع والخلاص الكاذب عبر انخراطهم في هذه الحركات. وكذلك فإن عامل الهجرة من الريف إلى المدينة لا يقلّ خطورة عن سابقه لجهة ترك الأراضي تتصحر وتتحوّل إلى أراض جرداء بدل أن تعطي الغلال الوفيرة، وعلاوة على ذلك يتضخم عدد سكان المدن ويصبح العجز واضحاً عن تأمين فرص عمل، وعن تأمين سكن.
وغنيّ عن البيان، يمكن القول إن الدول العربية لديها من الموارد الطبيعية والمالية والبشرية والتقنية ومن التجارب العلمية ما يكفي لتحقيق أمنها الغذائي ويزيد عنها إذا ما تمّ تنفيذ الاستراتيجية العربية للتنمية الزراعية، والتي تقوم على وضع وتنفيذ خطط وبرامج مشتركة لحصر ومسح وتصنيف ورصد الموارد الطبيعية واستصلاح الأراضي، وإقامة شبكات متطورة لرصد المياه السطحية والجوفية والتوسّع في الري الحديث وتبادل الخبرات، فالوطن العربي على أعتاب تحدٍّ جديد يتمثّل في الكيفية التي تضمن توفير الغذاء الكافي للمواطن العربي.