طرح مشبوه..!
تشي طروح عدد من التجار الرامية إلى “فتح باب الاستيراد على مصراعيه” بقصد منع التهريب الذي يستنزف القطع الأجنبي ولا يعود بأي إيراد على الخزينة العامة للدولة، إما بجهل وإما بتجاهل لما سينطوي عليه هذا الطرح المشبوه لجهة القضاء على ما تبقى للاقتصاد من صناعة…!.
بداية لا بد من تأكيد ضرورة سحق آفة التهريب وتداعياتها على الاقتصاد الوطني، سواء لجهة تهديدها للبنية الإنتاجية، أم لجهة استنزاف القطع الأجنبي دون أية موارد للخزينة العامة للدولة، وقد سبق لنا أن أشرنا إلى أن فاتورة التهريب تقدّر بـ250 مليون دولار شهرياً أي بمعدل 3 مليارات دولار سنوياً.. في حين أن قيمة فاتورة “فتح باب الاستيراد على مصراعيه” تكلف 7 مليارات دولار سنوياً وفق ما أكده حاكم مصرف سورية المركزي خلال الاجتماع الأخير للفريق الاقتصادي مع التجار..!.
ويسوِّق بعض التجار لهذا الطرح المشبوه بعرض عدد من الأدلة من قبيل أن مصر لم تمنع الاستيراد لحماية إنتاجها المحلي مع ذلك كانت قبلة للصناعيين السوريين أي انتعش الإنتاج لديها مع انتعاش التجارة، وأن اقتصاد دبي تجاري بحت مع ذلك يحظى بأكبر معدلات نمو من التجارة والسياحة والخدمات، وفي لبنان تباع أفخم أنواع السيارات الأوروبية بسعر مبيع السيارات المجمّعة في سورية نفسه مع فارق الجودة والرفاهية، وأن من يحتاج إلى سلعة في سورية يحصل عليها من بلدان الجوار فيربح التاجر غير السوري والوسيط ويخسر السوري والاقتصاد معاً..!.
إن هذه الأدلة أشبه ما تكون بـ”دسّ السم بالعسل”، فهل يعقل أن نحوّل اقتصادنا إلى اقتصاد تجارة وخدمات، على حساب الإنتاج الحقيقي المتمثل بالزراعة والصناعة، أسوة بلبنان ودبي، مع الإشارة هنا إلى أن تدهور اقتصاد الأول يعود لخوائه من أية بنية إنتاجية بالدرجة الأولى، والثاني سرعان ما سينهار مع أول هزة محتملة قد تضرب به..!.
في حين أن الاقتصاد السوري ورغم ما ألمّ به من أزمة قاسية غير مسبوقة خلال عقد من الزمن وتضاعفت حدّتها خلال السنتين الأخيرتين، ورغم العقوبات الاقتصادية الرامية إلى شلّ حركته، أو الحدّ منها قدر المستطاع على أقل تقدير، إلا أنه لا يزال يأكل مما يزرع، ويلبس مما يصنع ولو بالحدود الدنيا..!.
لا شك أن اعتماد مسار الاستثمارات الريعية التجارية والخدمية هو الأسهل مقارنة مع نظيره الإنتاجي بشقيه الصناعي والزراعي المحفوف بصعوبات وربما مخاطر قد تحيط برأس المال الذي يوصف بـ”الجبان”، إلا أنها تفضي في النتيجة في حال تم الاشتغال عليه، إلى تعزيز البنية الإنتاجية الكفيلة بتقوية أواصر الاقتصاد الوطني، تماماً كما دأبت عليه دول جنوب شرق آسيا التي حظيت بلقب “النمور الآسيوية”..!.
بالمحصلة نجد أنه وأمام “طرح مشبوه” كهذا لا بد من أن تعيد الحكومة النظر ببعض من اتخذتهم شركاءَ لها في التنمية الإنتاجية الحقيقية حفاظاً على ما تبقى من الأخيرة..!.
هامش: المولات التجارية والمنشآت السياحية لا تصنع اقتصاداً..!.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com