“الشهباء” والرهان الاقتصادي ..؟!
حرّرت بالدم الطهور، دماء شهدائنا الأطهار، حماة الأرض والعرض والديار عليهم سلام، نبدأ وهو أقل أقل ما يقال، بحق من وطَؤوا المُحال فحق فيهم القول المأثور: “ليس أعظم ممن بذل نفسه في سبيل من يحب”.
إنها الشهباء حلب، التي وبعد أن استقبلت محرّريها بالورود وأكاليل الغار، واسْتُكْمِل التحرير لريفها، تتحضر لاستقبال رجالات أعمالها ومالها، من أبنائها المخلصين، والمهمة الخاصة نصب أعينهم وأعين كل سوري شريف، هي إعادة البناء والإعمار…
عُمّدت بالدم، وهي الآن في طور التسليم والتسلّم للأمانة، لتبدأ مرحلة البناء والتعمير، بالتشمير عن السواعد، والتعميد بعرق الجباه…
حلب نبض الشرق، التي كانت تحتضن أكبر سوق في العالم (مول)، بطول يصل إلى 12 كلم في عمق التاريخ والحضارة والصناعة والتجارة، تم تدمير وتخريب وسرقة أجزاء كبيرة ومهمة منه، هي اليوم أمام تحدّي متابعة إعادة النهضة والنهوض الاقتصادي والصناعي والتجاري والسياحي…
وكما كانت الشهباء بضرعها ودرعها..، رهان سورية الاقتصادي تاريخياً، فاستحقت تاج العاصمة الاقتصادية، كذلك هي الآن رهانها..، ولعل مؤشرات الفوز بالرهان التي بدأت بالتحقق، منذ 3 سنوات من التحرير الأول، المدعومة بالأرقام والنتائج والعائد، تؤكد أن حلب سائرة باتجاه العودة وبأكثر وأقوى مما كانت عليه…
ليس كلاماً، بل أفعال تتجسّد يومياً على أرض الواقع، فأن يدخل الصناعيون الحلبيون جنباً إلى جنب مع رجال الجيش السوري إلى المناطق المحررة –رغم ما في ذلك من خطورة عليهم– والكشف على معاملهم ومصانعهم واستعدادهم للمباشرة الفورية بالعمل وإعادة الإنتاج، حسب تأكيد رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، ذلك دليل على إرادة مجتمع الأعمال، وخاصة من المنتجين الصناعيين، في عودة الحياة الاقتصادية إلى قلب سورية الصناعي…
كذلك ما صرّح به لنا رئيس تجمّع رجال الأعمال في مصر، إذ أكد أنه قد تهاتف، وبعد تحرير حلب مباشرة، مع عدد من الصناعيين الحلبيين الموجودين بمصر، وخاصة ممن هم أعضاء في التجمع، وقد أكدوا له أنهم استلموا مصانعهم قبل ثلاثة أيام، وأنهم سيعيدون تشغيلها وفق الظروف المتاحة من العمالة والطاقة.
تصميم يُحسب لرجالات الأعمال في الشهباء وخارجها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، بعد تدمير وسرقة ونهب أكثر من ألف معمل ومصنع، وبعد انخفاض عدد القوى العاملة من 38 ألف عامل إلى 4 آلاف فقط حتى نهاية 2013، وتكبّد القطاع الصناعي 100 مليار دولار معظمها في حلب، وتراجع إيرادات المنطقة الصناعية في الشيخ نجار من 1.649 مليار دولار سنوياً عام 2010، إلى 613 مليون دولار عام 2012، ووصولها إلى 237 مليون دولار عام 2013…
وبعد وبعد..، التحرير عام 2016، شهدت الصناعة الحلبية نهوضاً مهماً رغم الظروف..، حيث وصل عدد المنشآت حتى نهاية 2017 إلى 7589 منشأة قدّرت قيمة صادراتها بـ1.111 مليار دولار، وارتفع عدد المعامل المنتجة من 50 معملاً عام 2016 إلى 530 معملاً حتى نهاية 2018، كما ارتفع عدد المشاريع الخدمية من 5 مشاريع إلى 75 مشروعاً، كذلك زادت الاستثمارات من 2 مليار ليرة إلى 428 مليار ليرة للعامين الآنفي الذكر ذاتهما..
ومن المهم هنا لفت الانتباه إلى ما ذكرته عام 2012 غرفة تجارة حلب، التي أنشئت عام 1885، ما جعلها تُعَدّ أقدم غرفة للتجارة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي برمّته، وهو ما يبرهن بشكل كبير على أهمية المدينة التجارية منذ القِدم؛ ذكرت أن مساهمة الاقتصاد المحلي لمدينة حلب في الناتج المحلي الإجمالي لسورية كلها بلغ نحو 24%، ويأتي ترتيبها في المركز الأول بين المدن من ناحية مساهمتها في الناتج الإجمالي المحلي للدولة؛ أي أن مدينة حلب كانت تساهم تقريباً بربع الإنتاج المحلي الكلي لسورية.
فحوى الكلام ومرماه، أن عاصمة الصناعة السورية، وبتلك الأرقام خلال بضعة أعوام من التحرير للأرض، هي اليوم وبعد اكتمال التحرير العسكري..، بحاجة إلى تحرير آخر، ولعل أسّه تحرير العقلية التي اعتدنا التعاطي بموجبها مع الاستثنائي وغير الاستثنائي بذات “التشريع والمعالجة والقرار والإجراء..”، وهذا هو مفتاح بوابة الإنتاج السوري..، المراهن عليه لإعادة الألق لاقتصادنا الوطني، ما يعني عائدات مالية من القطع الأجنبي، ودعم الاحتياطي النقدي، وسعر صرف نحو الاستقرار والانخفاض، وبالتالي استعادة القوة الشرائية لليرة السورية، وتحسّن مستوى الدخل والمعيشة..إلخ، وخاصة أن رئاسة الحكومة أعلنت أن هويتنا الاقتصادية هي “المواطن السوري”.
قسيم دحدل
qassim1965@gmail.com