تحقيقاتصحيفة البعث

لغة الجسد.. إيماءات تكشف خفايا الآخرين وتبيّن حقائق مختلفة

 

تعتبر لغة الجسد واستخدام الإشارات غير اللفظية إحدى أهم وسائل التواصل الاجتماعي اليومي، وخاصة في مجتمعاتنا العربية التي يعتمد معظم أفرادها على الإيماءات والإيحاءات، لدرجة أننا نتميز كعرب بالتأشير واستخدام حركات اليدين بكثرة أثناء الحديث، بالإضافة إلى استخدام تعابير الوجه وحركة الجسد، أي إيصال ما نرغب بقوله بهذه الطريقة، فللابتسامة والغضب والحنان مشاعر تظهر على وجه الشخص بشكل لاإرادي، لذلك تعد هذه الطريقة من التواصل عاملاً هاماً لفهم من حولنا، وكيفية التعامل معهم، واستيعاب مواقفهم، وفهم ما يمرون به من ظروف سلبية أو إيجابية، ما يقلل الكثير من الخلافات بين الأشخاص، ويقرّب وجهات النظر، أو خلق التبريرات المنطقية لمواقف الآخرين.

حداثة الاختصاص
هذا النوع من التواصل يعتبر من العلوم الحديثة المتعلقة بفهم حقائق التواصل بين الأشخاص، وغالباً ما تتم دراسة هذا النوع من التواصل على شخصيات مشهورة سياسية أو فنية، أو غيرها لكشف خبايا معظم تلك العلاقات وما تخفيه من مشاعر أمام الجماهير بعيداً عما تعلنه من أحاديث الطبيبة في علم النفس، والمختصة في مفاهيم لغة الجسد ميسون غزالة التي تحدثنا عن أهمية فهم هذه اللغة في تحليل مواقف وردود أفعال الشخصيات العامة، لدرجة أن الدول الكبرى تعتمد على لغة الجسد في كشف معظم المواقف التي تحدث بين السياسيين، وقياس مدى اختلافهم أو توافقهم، حيث تتفرع عن لغة الجسد أشكال عديدة للقراءة والفهم، منها ما يظهر من تعابير على الوجه، ومنها ما يظهر عبر إشارات الجسد كحركات اليدين والقدمين والأكتاف، وأخرى تظهر عبر نبرات الصوت التي تعتبر هامة في تحديد الغاية من الحديث كارتفاع نبرة الصوت أو انخفاضه ومستوى حدته، ففي مجتمعنا العربي نقول: “العين مغرفة الكلام”، بمعنى أن الشخص الذي لا ينظر للمتحدث غير مهتم بالحديث أصلاً، والتحديق بالمتحدث يدل على الإعجاب والحب.

بعض الدلالات
يرى الاختصاصيون في علم النفس أن للجسد لغة كاملة تعبّر عن كل ما يشعر به الإنسان، لكن هذه اللغة لا يفهمها إلا من لديه مفاتيح هذه اللغة، ويتقن التعامل معها، فقد أكد علماء النفس أهمية التواصل بين الناس عن طريق إيماءات الجسد التي تصل إلى نسبة 55% من التواصل كنظرات العين، وحركات الفم واللمس أحياناً، وحركات الحاجبين، وعلى سبيل المثال فإن كثرة النقر بأطراف الأصابع على الطاولة تدل على العصبية والتوتر، بينما يكشف عقد الحاجبين والنظر إلى الأرض عن مشاعر حيرة وتوتر وكراهية من سماع المتحدث، أما إبعاد الحاجبين ورفع الرأس إلى الأعلى فيعبّر عن الاندهاش، بينما يعبّر وضع الساق فوق الساق وهزها عن الضجر والملل، ويعبّر وضع راحة اليد على الجبين عن تذكر شيء مهم، في حين يشير عقد الذراعين ووضعهما على الصدر إلى العزلة وعدم الثقة بالنفس، وهناك العديد من الإيحاءات التي تعبّر عن حالة التأمل والأسى والانتظار والعصبية والضجر، وكلها مشاعر لها دلالاتها وتعبيرها الجسدي.

أهمية الإيحاءات
لغة الجسد تعبّر عن تواصل جملة المشاعر الداخلية بطريقة لاإرادية، وقد تم الكشف عن تأثير نبرة الصوت وأسلوب كلام المتحدث على المتلقي، فالتواصل الإنساني يعتبر جملة الكلمات، ونبرة الصوت، وإيماءات الجسد، لذلك يرى الدكتور محمد الحسن، “علم اجتماع”، أن هذا النوع من الفهم للغة الجسد يسمح لنا بتحسين عملية التواصل بيننا وبين الآخرين، والاهتمام أكثر كيف يمكن أن نقدم أنفسنا دون سوء فهم أو خلق مشكلات مع الآخرين، والانتباه أكثر لتصرفاتنا وسلوكياتنا، وما يؤثر عليها في نظرة أي فرد لها، ويجب الانتباه إلى بعض الأشخاص غير القادرين على التصنع أو التمثيل وإخفاء مشاعرهم، حيث يتم كشفهم بسرعة والتأثير عليهم واستغلال انفعالاتهم ولغة الجسد الخاصة بهم، خاصة أنها صادقة وعفوية، ومن غير الممكن لجوءها للكذب.
تناقض
تعتبر لغة الجسد عالمية، ويمكن تداولها بين كل أبناء الجنس البشري، فهي تساعد على إبقاء الانطباعات الأولية في ذاكرتنا، ويتابع الحسن: يمكن تواصل شخصين يستخدمان لغة مختلفة عبر استخدام “تواصل الجسد” الذي لا يحتاج إلى الترجمة، ومن هنا يتم اكتشاف الكثير من المجتمعات الثقافية المختلفة، فلغة الجسد تتعدى حدود الإنسان، ويمكن أن تستخدم في التواصل مع الحيوانات المنزلية والأليفة، وهذا ما يفسر العلاقة الكبيرة بين مربي تلك الحيوانات، وسهولة التعامل معها، لذلك يمكن تفسير حركات وإيماءات الجسد على أنها تعبير وتوضيح لما نقوله، ولكن من السهل إيجاد أشخاص يمكنهم قول كلام ما، وتقديم إيحاءات متناقضة من المتحدث كالرفض والقبول وغيرها، أو استخدام حركات وتعابير الوجه التي تعوض عن الكلام.
ميادة حسن