“التنين الصيني”.. والرعب الأمريكي
في الوقت الذي تواصل فيه الصين الليل بالنهار لمحاصرة فيروس كورونا والقضاء عليه، عاقبت الولايات المتحدة الأمريكية وسائل الإعلام الرسمية الصينية، وفرضت عليها قيوداً مشددة أثناء عملها في الداخل الأمريكي. قرار ينطوي على دلالات كبيرة حول الأهداف والدوافع والأهم التوقيت، فماذا تريد واشنطن من بكين؟ ولماذا كل التصعيد رغم التوقيع على المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري؟ وهل للقرار علاقة بالوضع في هونغ كونغ أو إقليم شينجيانغ؟.
بعد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وانتصار الولايات المتحدة الأمريكية وتسيدها العالم كقطب أوحد، جاء صعود التنين الصيني ونموه المطرد في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية كافة، والأهم تطوره التكنولوجي، ليثير مخاوف الطبقة الحاكمة في واشنطن، ويدفعها للتحذير من هذا النمو السريع، وماذا يمكن أن يؤثّر على الدور الأمريكي في العالم، لذا فقد تصدّرت الدراسات والتقارير الاستخباراتية عن الصين الهم الأول للمؤسسات الأمريكية، والذي ترجم فعلياً عبر إقرار أمريكا عقيدة عسكرية جديدة عام 2016 وضعت بكين إلى جانب موسكو كعدوين استراتيجيين يجب على أمريكا مواجهتهما، وفي هذا الإطار يأتي تصريح مايك بومبيو: “إن الجهود الصينية الرامية إلى فرض هيمنة خفية على دول الغرب هي نفس الجهود التخريبية التي تمارسها روسيا”. إذاً واشنطن لن توفّر جهداً في محاصرة الصين وتقييد نموها بكل السبل المتاحة، ولو أدى ذلك إلى حرب عالمية، والدليل كلام هنري كيسنجر: “النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة يمكن أن يتحوّل إلى حرب فعلية بين البلدين العملاقين”.
وعليه فقد بدا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكثر حماسة لتنفيذ هذه الاستراتيجية والضغط بقوة على بكين، حيث شن حرباً تجارية غير مسبوقة بين البلدين، وفرض رسوماً كبيرة على المستوردات الصينية، وصولاً إلى محاولته تقييد الصناعات التكنولوجية العملاقة، ومنعه الدول “الحليفة” من الاستفادة من ميزات الجيل الخامس، من خلال ترهيب الدول وتحذريها بأنه خطر على الأمن القومي.
ولكن النقطة الأهم التي حاولت إدارة ترامب الاستفادة منها والاصطياد فيها هو وباء كورونا، فالمرض الذي انتشر بشكل مخيف في مقاطعة ووهان قبل حوالي شهرين، كان فرصة لوسائل الإعلام الأمريكي إلى تضخيمه وجعله سبباً للنيل من الاقتصاد الصيني- وزير التجارة الأمريكي “بأن الفيروس قد يساعد في استعادة الولايات المتحدة فرص العمل- في محاولة لصنع فوبيا عالمية من “كورونا” وإلصاقه بالصين لمنع الدول والشركات العالمية من التعامل معها، ولكن هل تنجح؟.
والحال فإن الحرب الأمريكية المعلنة منها والمخفية على الصين، سواء استهدفت الاقتصاد أو الإعلام أو حتى الجانب العسكري، لن تقود في المدى المنظور إلى كبح تطور التنين الصيني، فالأساليب المتبعة من واشنطن هي مستوحاة من مذكرات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، مع الفارق أن الصين اليوم تعتبر أكبر مصنّع في العالم، وأكبر مستهلك للنفط الخام، والأهم الدولة الأولى في العالم في تقنيات الجيل الخامس، ما يمكّنها في تجاوز العقوبات الأمريكية وكسرها، ومعها سيصبح اقتصاد الصين الأكبر في العالم، وقطباً جديداً في العالم الناشئ بعد نهاية السيطرة الأمريكية الأحادية.
سنان حسن