الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الحال هي.. هذه!

 

حسن حميد
بات الأمر مضرّة وأزيد، بل بات روحاً عدائية للقيم النبيلة التي تستظل برايات السمو، والأحلام العلوق بالمجد والمآثر الشريفة! وأنا أقصد هنا العدائية الواضحة والشرسة لآداب المقاومة وفنونها، بل وفكرها والدعوات المنادية باحترامها واحترام أهلها لأنها هي ما يجسد معاني الوعي والانتماء والفداء والذود عن الجغرافية والتاريخ والوجدان!
كتابات كثيرة تظهر هنا وهناك، طابعها العام مقاومة لكل أشكال التراخي والإماتة والسكوت على ممارسات الأعداء الهادفة إلى إذابة المعاني القدسية التي حملها الأجداد في الصدور لتصير كتاباً بين أيدي الأحفاد يقرؤون فيه ما الذي يريده الأعداء الآن، وما أرادوه سابقاً، ولماذا يبذرون سموم العداوة وينشرونها، وهل هذه العداوة طارئة زائلة أم هي قديمة متجذرة، ومع ذلك لا يؤيد هذه الكتابات التي تشبه الأجراس القارعة ليل نهار إلا من عصم ربك، معظم دور النشر لا تلتفت إليها تحت ذرائع رخوة، فلا تنشرها إلا بشق الأنفس، والنقاد لا يلتفتون إليها إن صدرت وانتشرت لأسباب وحجج واهية في رأسها أنها كتابات إيديولوجية، وبعيدة عن التسامح، وفهم الآخر، وهذا طبيعي جداً، وأنت في معركة مفتوحة مع العدو غاصب الأرض، وقاتل الأب، وسارق البيت والحقل، أن يكون ما تنطق به، أو ما يصدر عنك فيه شيء من الإيديولوجية، أي موقفك تجاه هذا العدو الغازي /المحتل، فالغاصب والقاتل والسارق لا يقابل بالتسامح أبداً، والحديث عن السلام وفهم الآخر (الذي هو العدو وليس الآخر) هو حديث الذليل المستخذي الذي لم يذق طعوم الوطنية والسيادة! وليست المقاومة الأدبية والفنية تهمة أو سبه أو ضعفاً أبداً كما يراد لبعض النقاد أن يصموها، لأن المحروق يقفز من الألم ولا يرقص، والمقروص من ثعبان لا يركض لأنه عداء مسافات طويلة أو قصيرة، وأمهات الشهداء اللواتي يشرّعن الأذرع تلويحاً في الهواء حين يفقدن فلذات الأكباد لسن في فرح! الكتابات المقاومة وفنون المقاومة هي صرخة الألم الموجعة لأن الأرض نهبت، والدار سرقت، والمواطنة ثلمت، والروح العزيزة انطفأت، ولأن العدو يمشي البخترة بعد أن حمى ظهره بالقوة والجبروت الظالمين.
ومن عجب أن مؤيدات الكتابة المقاومة وفنونها تلاشت، واختفت، حتى بات الحديث عنها يشبه الحديث عن ماضٍ غار وولى واندثر، ومع أن الأرض ما زالت محتلة، والعدو ما زال عدواً، وقبور الشهداء ما زال ترابها طرياً، ودمع أمهات الشهداء والمفقودين والأسرى ما زال جارياً بادياً أمام من يملك عينين باصرتين! لا تأييد لآداب المقاومة وفنونها في معظم البلاد العربية التي ما زالت تعاني من أشكال كثيرة لظلموت القهر والنفوذ الذي تمارسه السياسات الغربية التي تتحكم بمفاصل الحياة كلها في كوكبنا الأرضي، لا الصحف والمجلات ولا النقاد ولا المناهج الدراسية ولا الجوائز الأدبية والفنية تؤيد أدب المقاومة وفنونها، لأن أصوات المنادين بالسلام والتسامح عالية جداً، وليس من أحد ضد السلام أو التسامح لأن فيهما بهجة الحياة، ولكن ما الذي يعنيه السلام والتسامح مع عدو ما زال يحتل الأرض؟! هذا ليس سلاماً بل ذلاً وخضوعاً، وهذا ليس تسامحاً بل ركوعاً وتفريطاً، وإذا ما فرّط بالأرض لا شيء له قيمة من دونها! فالمقاومة التي تطالب بالأرض والعزة، وتنادي بالكبرياء والمجد ليست تطرفاً، إنها الوجدان حين يتجلى نوراً في وسط الظلمة الحالكة التي صوّرت العدو كائناً خرافياً لا يغلب، والمقاومة وفنونها، ولا سيما في مراحل الطفولة والشباب والناشئة، هي التي تكوّن الهمم الباحثة عن الدروب الظليلة والأمجاد المشتقة من الروح الوطنية!
إذاً، والحال هي هكذا، ازورار عن آداب المقاومة وفنونها، والعدو ما زال عدواً ويحتل الأرض، نسأل ما العمل؟! العمل يتلخص بالمزيد من الآداب والفنون المقاومة، وخلق المؤيدات لها، وعدم الانسياق وراء الدعوات الشائهة المنادية بالسلام والتسامح والواقعية والاعتدال.. لأنها هي دعوات البهتان والتضليل والخنوع.. والعماء!

Hasanhamid55@yahoo.com