لم تعد “العلاقات الخاصة”.. خاصة
هيفاء علي
تقول المعلومات إن ثمّة مكالمة هاتفية بين ترامب وجونسون كانت بمثابة قنبلة نووية، وهما اللذان يعتبران كأفضل صديقين في العالم. هما اثنان من الأنغلو ساكسونيين، مرتبطان بـ العلاقات الخاصة، وشعبويان يمينيان، وقوميان مناهضان للعولمة ومتشائمان.
تشير المعلومات إلى أن ترامب كان عنيفاً جداً مع جونسون بسبب اختيار الحكومة البريطانية إنشاء العناصر الأساسية لشبكة G5 البريطانية الموكلة إلى شركة هواوي الصينية. كان ردّ فعل ترامب مفاجئاً، سواء بالنسبة لإدارته أو للحكومة البريطانية. عند الإعلان عن الاختيار المحتمل للبريطانيين، قال نائب الرئيس بنس إن إدارة ترامب “أعربت للبريطانيين بوضوح شديد عن خيبة أملها بهم”.
في الآونة الأخيرة، قصد وزير الخارجية الأمريكي لندن والتقى جونسون في محاولة لحمله على تغيير رأيه ولكن دون جدوى، إلا أن بومبيو حرص على أن يظهر مبتسماً عقب اللقاء وعدم إعطاء هذا الخلاف أكبر من حجمه. غضب البريطانيون من مطالب الولايات المتحدة، خاصة وأنها لم يكن لديها منتج متميّز لتقديمه ليحلّ محل هواوي. لكن وزير العدل الأمريكي اقترح أن تستحوذ الولايات المتحدة على حصص من أريكسون ونوكيا كي يتسنى لها تقديم شيء لحلفائها البريطانيين، بدلاً من مطالبتهم بالاستغناء عن معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية المقدّمة من هواوي من أجل نشر G5 الخاصة بهم.
لم تكن حاشية ترامب على علم بأن الرئيس لا يزال يعتبر المجتمع الصيني “خطيراً للغاية”على الأمن القومي الأمريكي، فهو لا يتقبل فكرة أن حاشيته وحلفاءه يتجاهلون توصياته. وفي مكالمة هاتفية بعد فترة وجيزة من نشر قرار جونسون، قال أحد المساعدين إن ترامب كان “غاضباً جداً”وأنه فاجأ جونسون باستخدام لغة قاسية. حتى أن كل من داونينغ ستريت، وزارة الخارجية الأمريكية، ومجلس الأمن القومي الأمريكي، والبيت الأبيض رفضوا التعليق على المكالمة. ما يعني أن هذه الحلقة تعتبر بالتأكيد من سمات ترامب، لكنها قد تكون مميزة للتوجّه السياسي للمملكة المتحدة المتحررة من قيود الاتحاد الأوروبي. هنا يبدو وجود استراحة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب مراقبين، وكل هذا لا يعوق بأي حال من الأحوال السير السلس للمفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ما لم يكن هناك نقطة مفاجئة لترامب عند توقيع الاتفاقية، كأن يقول لجونسون أسقط هواوي أو لا أوقع.. إنها ليست مسألة قطيعة بالتأكيد، لكنها مسألة إدراك الصعوبة الشديدة في الحفاظ على تلك العلاقات المعروف عنها بأنها “خاصة” بين بريطانيا والولايات المتحدة، والتي تقوم على الحدّ الأدنى من الاعتبار والميل إلى الحفاظ على وهم المعاملة المتساوية بين البلدين مع سياسة بريطانية مزينة بغطاء الاستقلال، وبالتالي فهي موجهة بالكامل نحو مصالح الولايات المتحدة وتخضع لنزعات واشنطن. من جهته، ترامب ليس متأكداً من أن جونسون مستعد لقبول وحشيته بسبب الاصطدام حول صفقة هواوي مع G5، أي وجود كيان صيني، يشير إلى أن هناك مسارات أخرى غير مسار الحرب التي لا نهاية لها في الولايات المتحدة.
في سياق مماثل، قرّرت المملكة المتحدة رفع بعض العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوربي على روسيا، وسيصبح هذا القرار ساري المفعول بحلول عام 2021، على الرغم من أن البريطانيين كانوا من بين أكثر المؤيدين المتحمسين لهذه العقوبات، لكنهم يعرفون كيفية المناورة السريعة باعتبارهم البحارة المميزين!.
يؤكد مراقبون أن تفكير المملكة المتحدة بدأ يصحو ويدرك أن روسيا والصين يمكنهما أن يكونا شريكين اقتصاديين لها دون أن يزعجها الثقل البيروقراطي الأيديولوجي للاتحاد الأوروبي ولا جنون ترامب. ومع ذلك فإن النتيجة، بالنسبة للمتطرفين و”المبدعين” في شيطنة الآخرين تستحق العناء، خاصة عندما يتذكر المرء كيف كان البريطانيون أول من يهب لإضرام شعلة شيطنة روسيا، إذ يبدو أن العلامة التجارية البريطانية الجديدة تعمل في اتجاه مصالحها وتتطلع إلى علاقات جيدة مع بكين وموسكو وربما غداً مع طهران.