في تشكيل قيادات فروع الحزب
أعلنت أمس القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي في القطر السوري قراراتها بإعادة تشكيل قيادات فروع الحزب في المحافظات والجامعات بعد اطلاعها على نتائج المؤتمرات الانتخابية لهذه الفروع، وعلى مقترحات اللجان القيادية المختصّة التي درست هذه النتائج وتقدّمت بمقترحاتها إلى قيادة الحزب حيث تمّ إقرارها وإعلانها.
من الواضح أن قرارات القيادة بإعادة التشكيل لاقت ارتياحاً عاماً في الجهاز الحزبي، وفي الشارع، وخاصة لدى جماهير الحزب، وذلك لأسباب عديدة منها:
1- لقد تم احترام نتائج الانتخابات في إعادة التشكيل، وبهذا تحققت المسألة الديمقراطية إلى حد كبير في هذا الجانب، لكن من الطبيعي جداً أن نجد قسماً غير قليل من رفاقنا، ولا سيما الذين لم يحالفهم الحظ في القرار، غير مرتاحين، لأن أمانيهم ونشاطاتهم لم تكلل بالوصول إلى المطلوب شخصياً. وإننا على ثقة أن هذا البعد النفسي الموضوعي لن يكون له منعكس سلبي على الالتزام والوعي، فقد قطع هؤلاء الرفاق مراحل مهمة في المسؤولية والعمل الحزبي، وفي التجربة الانتخابية في مراحل سابقة سواء في انتخابات مؤتمرات الفِرق، أو مؤتمرات الشعب، وصولاً إلى مؤتمرات الفروع.. ولاتزال الطريق مفتوحة أمامهم فهذه دورة من دورات العمل الحزبي وستليها دورات انتخابية قادمة، وليست المسألة لعبة كراسٍ.
2- لقد التزمت القيادات الحزبية المتسلسلة بالقرارات المتضمنة شروط الترشيح والانتخاب، كما أن القيادة المركزية نفسها حين أقرّت إعادة تشكيل قيادات الفروع التزمت بالقرارات التي أصدرتها مسبقاً ولاسيما لجهة مراعاة الترتيب الرقمي لعدد أصوات الناخبين ما أمكن، دون أن يعني ذلك أي تناقض بين الديمقراطية، والديمقراطية المركزية.
3- بالأساس كانت نتائج الانتخابات موضوعية، ومريحة، ومطمئنة من جهات عديدة، وقد عكست إقبالاً صدر فيه رفاقنا عن وعي والتزام وثقة بالعمل الحزبي ولا سيما ببعديه الأساسيين التنظيمي والفكري، وكان رفاقنا على ثقة بأن العمل الحزبي متكامل بين الأعضاء والمؤسسات كوادر أم قيادات، والمسؤولية فيه دورية من جهة، وديمقراطية من جهة ثانية، لا سيما في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ حزبنا ووطننا وأمتنا، وبالتالي فالكوادر والقيادات أمام مستوى واحد من المسؤولية في تعزيز حضور الحزب في المجتمع وفي مختلف المؤسسات.
4- عزّزت نتائج الانتخاب ولا سيما في مؤتمرات الفروع البعد التنظيمي في العمل الحزبي، وأعطته لا شك أبعاداً واعدة بعد توقفٍ قرابة عقد من الزمن بسبب الحرب، ولا سيما في وقت غاب فيه، أو تم العمل فيه على تغييب الصراع العربي الصهيوني، وهو الصراع أو التناقض الأساسي في أدبيات الحزب وتاريخه النضالي، ليحل مكانه الصراع العربي العربي، أو الصراع الداخلي الهادف إلى تفتيت وحدة المجتمع، والوحدة الوطنية، والشعور القومي العربي… ما يجعل الآمال المعقودة على حزب البعث كبيرة في مرحلة من الزمن يكاد فيها يكون البعث هو البقية الصامدة من الأحزاب اليسارية والقومية العربية مقابل تضخّم المنعكسات السلبية العديدة للتحالف الصهيوأطلسي – الرجعي العربي. ما يتطلب من البعثيين والعروبيين في جميع الأقطار وعياً والتزاماً مطابقين للواقع المصيري الصعب.
5- من هذه الأسباب التي تدعو إلى الارتياح، أو التي يجب أن تدعو، هو أن الديمقراطية (الانتساب – الترشيح – الانتخاب) لا تتعارض أبداً مع الديمقراطية المركزية (الالتزام – الانضباط – خضوع رأي الأقلية للأكثرية – القرار)، وذلك في سبيل الحفاظ على وحدة الحزب التنظيمية والفكرية، فعدد أصوات الانتخاب معيار مهم، لكن ليس هو المعيار الوحيد خاصة في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد والتي تتطلب لا شك تعزيز التجربة الديمقراطية من جهة، وإعادة الاعتبار الوازن للديمقراطية المركزية – وإن شئت المركزية الديمقراطية – من جهة ثانية. فالانتساب ديمقراطي، والالتزام مركزي.
6- لا شك في أن التنظيم الحزبي ولا سيما في المناطق الساخنة تأثّر بمنعكسات الأزمة وبمظاهرها، فكان من حق القيادة أن تعمل بمختلف السبل إلى تحقيق الاستقرار التنظيمي للحزب الذي هو شرط أساسي، وخطوة مؤهلة للوحدة الفكرية، ما يعني أن رفاقنا التي أنيطت وستناط بهم مهام قيادية في مختلف المؤسسات أمامهم مهام جِسام في تطوير عمل الحزب وتوطيد حضوره ودوره كونه الضامن الأكبر للمشروع الوطني والقومي العربي التقدمي في زمن طال فيه رهان القوى المضادة على التطرّف والتكفير والإرهاب، زمن الأجيال المتتالية والمتسارعة من الحروب، زمن الانتقال من ثقافة المطبوع إلى الثقافة الرقمية، زمن طفو التضليل الإعلامي والثقافة الزائفة، زمن يجب أن يُعاد البحث فيه حتى في إشكالية الهوية بين الإحيائية، والوطنية, فالصراع اليوم مرير على هوية الأجيال؟!،.. إلخ من تحديات الوعي والانتماء التي ستواجه الفرد والمجتمع والدولة.
طالما كان البعثيون روّاداً في الشارع، ودعاة في الثقافة والتفكير، وحملة مشروع وطني عروبي تقدمي مستنير. فأنجزوا ما أنجزوا. وجماهير شعبنا وحزبنا لاتزال تثق بالبعث وتنشد دوره خاصة في هذا الواقع حيث يجب أن ينجح الحزب في التعامل مع الإشكاليات الناجمة عن غزارة الثقافة الرقمية العابرة والغازية لوعي الفرد والمجتمع.. ولذلك فالكرة في ملعبنا جميعاً وعلينا أن نحرز سوية الهدف.
د. عبد اللطيف عمران