اقتصادصحيفة البعث

وزارة الصناعة تسعى لرفد المنشآت بالكوادر ودعم التصدير وتفعيل دور المصارف على وقع انحسار الصناعات النسيجية نتيجة الأزمة.. تنظيم منطقة القابون الصناعية لا يزال عالقاً

إثر التوجّه الحكومي لتنظيم منطقة القابون، إذ أوضح أمين سر لجنة منطقة القابون السابق الصناعي عاطف طيفور، أنه وبعد تحرير المنطقة مُنع الصناعيون من الدخول إليها وهذه مشكلة كبيرة، فهناك 750 مصنعاً و200 ألف عامل، إلى جانب خسارات تقدّر بمليارات الليرات نتيجة منع إقلاع معامل منطقة القابون الصناعية، وهناك إصرار حكومي على تنظيم المنطقة، وإصرار من المالكين على التمسك بملكية منشآتهم، مشيراً إلى أن قضية صناعيي القابون ونقلهم إلى مدينة عدرا الصناعية لا تزال عالقة ولم يتم الوصول إلى أية نتيجة أو حل..!.

عالقة
ويبيّن طيفور أنه مضت شهور طويلة ولا يزال صناعيو القابون مصرّين على موقفهم حفاظاً على ما تبقى من مصانعهم وأملاكهم التي نجت من الدمار، وباتت اليوم ضحية قرار التنظيم ذي البعد التجميلي السياحي البحت، إذ يتضمن مخطط القابون الصناعي تحويل المنطقة إلى سكنية تجارية خدمية، حيث ستضم إضافة للأبراج السكنية مباني استثمارية ومشافي ومدارس ومراكز تجارية، وعدة مراكز خدمية للمدينة، مبيناً أن أكثر من 740 شخصاً من أهالي منطقة القابون الصناعية قدّموا اعتراضاً إلى محافظة دمشق على المخطط التنظيمي، لكن الصناعيين أبلغوا في تاريخ 26 كانون الأول 2018 خلال اجتماع جمعهم مع رئيس مجلس الوزراء أن قرار التنظيم نهائي ولا رجعة عنه.

عبء
ولدى توجّه “البعث” لمدير صناعة دمشق ماهر ثلجة للوقوف على مسعى الوزارة بهذا الاتجاه، اكتفى بالقول: إنه وبعد تحرير جميع المناطق أقلعت معظم المنشآت في أغلب المحافظات، ما عدا المنشآت الموجودة في محافظة دمشق، ومنها منطقة القابون الصناعية التي تحتوي على 750 منشأة صناعية وحرفية وتشغّل 20 ألف عامل، وبعد رفع شعار دمشق مدينة غير صناعية وإنما مدينة خدمات وأعمال، علماً أن المدينة لم تتعرض لأضرار كبيرة، شكّل هذا الأمر عبئاً كبيراً على أصحاب المنشآت في المنطقة الصناعية بالقابون، والعبء الأكبر نقلهم إلى مدينة عدرا الصناعية، ورغم إصرار أصحاب المنشآت على تغيير القرارات التنظيمية في القابون ما زال الكثير منهم يرفض الانتقال إلى عدرا، وهذا يشكّل هاجساً كبيراً لنا وللصناعيين والحكومة.

تكلفة باهظة
وفي سياق متصل يدفع الصناعيون السوريون تكلفة باهظة نتيجة الحرب التي دمرت منشآتهم ومعاملهم، وأرغمت قسماً منهم على مغادرة البلاد، بينما اضطر من بقي منهم في سورية إلى تحمل أعباء إعادة بناء منشآتهم ومناشدة الحكومة للوقوف إلى جانبهم وتقديم الخدمات لهم من ماء وكهرباء وغيرها من المستلزمات الضرورية لإعادة انطلاق الصناعة، وكأن مرحلة إعادة الإعمار هي عبء يقع على عاتق الصناعيين وحدهم، والكثير من الصناعيين بسبب ما أصاب المناطق الصناعية في مناطقهم من تدمير وسرقة للمعامل توقفوا عن الإنتاج لمدة طويلة، ومن بعدها انتقلوا للعمل في وسط المدن ضمن أبنية سكنية، وهذا ما تسبّب بانخفاض الطاقة الإنتاجية لمعاملهم إلى الربع، مقارنة بالكميات التي كانوا ينتجونها في السابق. ولعل أصعب ما يواجهونه هو موضوع الاستقرار ليستطيعوا الحفاظ على صناعتهم، فمساحة كبيرة من المناطق مدمرة وتحتاج إلى تأهيل، بالإضافة إلى صعوبة تأمين العمالة، إذ ثمة صعوبة بتعويض اليد العاملة المتسرّبة.

استمرار
وأوضح عدد من الصناعيين في دمشق وريفها أن المنشآت التي استمرت في العمل في بعض المناطق لم تكن أفضل حالاً من غيرها، فقد تمكنت من الاستمرار في العمل على اعتبار أن العاصمة دمشق بقيت ضمن المناطق البعيدة عن المخاطر، لكن ذلك لا يعني أنهم لم يواجهوا صعوبات وخاصة صناعيي القطاع النسيجي كغيرهم من المنتجين ولاسيما فيما يتعلق بأمور النقل والشحن والتسويق، وأيضاً في مجال تأمين الطاقة والكهرباء، فمع الانقطاع المستمر للأخيرة اضطروا لشراء المولدات التي يتطلب تشغيلها تأمين مادة المازوت بأسعار مضاعفة عن السعر الرسمي، كل هذه التكاليف الإضافية تم تحميلها على كلفة المنتج النهائي للمستهلك التي زادت بنسبة 15-25% كما تأثرت أرباحهم..!.

ثغرات
يوضح طيفور أن طموح أصحاب القطاعات النسيجية ليس تأهيل مرجل ومصبغة ورام وماكينة، بل إن طموحهم عودتها كما كانت قبل الحرب بطاقتها الإنتاجية الكاملة، وعودة اسم الصناعة النسيجية السورية العالمي، وإعادة الجودة للغزل والنسيج السوري كما كان بالمراتب العالمية الأولى، مشيراً إلى أن الصناعات النسيجية ليست بخير، وناشد طيفور ومعه أصحاب الصناعات النسيجية إنقاذ هذه الصناعات قبل أن تصبح حرفة أثرية نتكلم عنها بكتب التاريخ السوري.
ويعتبر طيفور أنه لا يوجد أي تقصير في الدعم الحكومي ولكن يوجد ثغرات إدارية ومحاسبية ولوجستية تسحبهم للخلف، فالدولة –مثلاً- تدعم الفلاح بمحصول القمح وتشتري منه بسعر مرتفع وذلك للتشجيع على الزراعة واستمراريتها باعتبارها مادة استراتيجية، ولكن الدولة لا تحمّل الوزارة والمؤسسة تكاليف الدعم وفارق السعر لكي لا يرتفع سعر الخبز على المستهلك باعتباره مادة مدعومة، كما أن الدولة تدعم الفلاح بزراعة القطن وتشتري منه بسعر أعلى من السعر العالمي للمادة وهذا أمر جيد وتشجيع لهذه المادة الاستراتيجية وحفاظ عليها، ولكن مع الأسف تحمّل وزارة الصناعة والمؤسسة والمصانع هذا الدعم، ما يؤدي إما لخسارة القطاع العام النسيجي، وإما إجباره على رفع أسعاره لتفادي الخسارة وهنا الكارثة، ويقول طيفور: إن رفع أسعار الغزول القطنية أمر منطقي لتفادي خسارة الشركات ولكنه ينعكس على الاقتصاد الوطني ونسبة التصدير ونسبة المبيعات للقطاع الخاص، وينعكس على ارتفاع أسعار الأقمشة بالقطاع العام والخاص، ويتفرّع منه ارتفاع أسعار الألبسة والمنسوجات بشكل كامل.

تحدّيات
في حين بيّن ثلجة أن مدينة دمشق وبعد سنوات الحرب ما زالت تشتهر بالصناعات النسيجية، ومنها صناعة البروكار، والدامسكو، وكان معظم الإنتاج يصدّر إلى كل دول العالم، وكانت المنتجات الدمشقية تعرض بأفخم المحلات الأوروبية حتى ثوب الملكة اليزابيث كان من إنتاج معامل دمشق، وأوضح ثلجة أنه وقبل الحرب بلغ عدد المنشآت الصناعية والحرفية في مدينة دمشق 14 ألف منشأة تشغّل 66669 عاملاً..
وعن التحدّيات التي تواجه الصناعة الدمشقية أشار مدير الصناعة أنها تتمثل بهجرة اليد العاملة الخبيرة، وعدم استقرار سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، وارتفاع أسعار حوامل الطاقة مازوت – فيول، وأيضاً ارتفاع أسعار الكهرباء الصناعية، وهناك تحدّيات كبيرة بسبب الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على سورية، ومن الصعوبات أيضاً دخول البضائع المهرّبة إلى الأسواق الداخلية، وصعوبة التصدير إلى الدول المجاورة وتنوّعت الخيارات أمام المصانع لمواجهة المشكلات، فمنها من أوقفت خطوط الإنتاج واكتفت بخط واحد، ومنها من نقلت المصنع أو أجزاء من خطوط الإنتاج إلى دول الجوار، وخاصة تركيا ومصر، والمتعثرة منها، اضطر أصحابها إلى عرضها للبيع.

إجراءات
أما عن الإجراءات المستقبلية للصناعة السورية، فقد تحدّث ثلجة عن النية لتفعيل المدارس والمعاهد المهنية لرفد المنشآت بالكوادر المؤهّلة، إضافة إلى دعم التصدير عن طريق تفعيل صندوق دعم الصادرات، وهناك خطة لتفعيل دور المصارف الصناعية ومنح قروض ميسّرة لإعادة إقلاع المنشآت المتوقفة وقروض تشغيلية للمنشآت القائمة، وكذلك سيتم لحظ مناطق صناعية في المخططات والتكيف مع الظروف للحفاظ على الإنتاج وهناك من عاد منهم للإنتاج من جديد، وخصوصاً في مجال صناعة الألبسة المختلفة والأغذية والحلاوة والمشروبات الغازية، مبيّناً أنه يتم العمل على إعادة الإنتاج من خلال تجمعات ومناطق صناعية أُنجزت لها مخططات تنظيمية وشكّلت لها لجان تضم المستثمرين والجهات الإدارية والمحافظة، فعلى سبيل المثال، تشهد منطقة صحنايا الصناعية تجاوباً جيداً في إدارة المنطقة من جانب الصناعيين، الذين تحمّلوا تكاليف كبيرة لإعادة العمل فيها وتوفير الكهرباء للمنشآت التي أقلعت من جديد.
عبد الرحمن جاويش