أحمد عبد الكريم.. الذي ترجَّل..
د. صابر فلحوط
ونحن على ضفاف ذكرى الوحدة، وقيام الجمهورية العربية المتحدة، التي رسّخت في تاريخنا لحظات من الزمن العربي الجميل، لا بد أن نستذكر الرجال الذين كانوا جنوداً أوفياء في مسيرتها التي كتبت أنصع الصفحات في تاريخ الأمة العربية.. ويأتي في الصفوف الأولى في موكب هذا الحدث الجلل، المناضل العروبي أحمد عبد الكريم، الرئيس السابق للجنة العربية السورية العليا لدعم الانتفاضة ومقاومة المشروع الصهيوني.
فلقد تميز “أبو الوليد” ضابطاً في جيشنا العقائدي، فكانت له مواقفه المشرّفة في الجبهة في مواجهة العدو الصهيوني في خمسينيات القرن الماضي، كما كان من المساهمين بصدق وإخلاص في إرساء قواعد الوحدة مع كوكبة الضباط القوميين الذين شدوا من أزر القائد الخالد جمال عبد الناصر، قائد ثورة الضباط الأحرار في مصر، ومهدوا الطريق أمامه بإزالة كل أسباب التردد للإقدام على اجتراح المعجزات واقتحام المعوقات التي كانت تحول دون تحقيق الحلم القومي في قيام الوحدة بين جناحي الأمة العربية في قارتي آسيا وأفريقيا، واستعادة أمجادها الخالدة بهدف التلاحم بين الماضي العظيم (لخير أمةٍ أخرجت للناس) والمستقبل المأمول على أيدي جيل العروبة الذي بدأت طلائعه مع تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي متحالفاً مع القوى الوحدوية، والحركات القومية، التي شهدتها ساحتا سورية ومصر، بعدَ الجلاء الأغر في سورية 1946، وقيام ثورة الضباط الأحرار في مصر العربية 1952، بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر.
ولقد عرفنا المرحوم أحمد عبر الكريم، ضابطاً لامعاً في جيشنا العقائدي، كما عرفناه وزيراً، ورجل دولة في حكومة الوحدة.
وبعد الانفصال الأسود، اختاره القائد الخالد حافظ الأسد سفيراً لسورية في “باريس” في أصعب المراحل وأعقدها من تاريخ الصراع العربي الصهيوني.. ولعل كل من يقرأ مذكرات المرحوم “أبي وليد” حول عمله الدبلوماسي ممثلاً لسورية العربية في أوروبا، يدرك يقيناً أنه لم يكن سفيراً لسورية وحسب، بل كان سفيراً للعروبة التي تمثل سورية، ودمشق، قلبها النابض، ورايتها المشرّعة.
ويوم قامت الانتفاضة الفلسطينية المشرّفة على أرض فلسطين مدعومة بأحرار الأمة، ومناضليها، كان الاختيار السديد والكريم للسيد الرئيس بشار الأسد “لأبي الوليد” ليكون رئيساً للجنة الشعبية العربية السورية العليا لدعم الانتفاضة، ومقاومة المشروع الصهيوني من أجل ممارسة كل نضال، ودعم ممكن لأهلنا في فلسطين (الجزء الجنوبي من سورية العربية). ويقيني، أن جميع أعضاء “اللجنة” الذين عملوا بقيادة المرحوم “أبي وليد” يشهدون لهذا الرجل الكبير بكل صفات النبل والنزاهة ورجاحة الرأي وصلابة الموقف الوطني والقومي، والتفاني في خدمة الأهداف التي قامت من أجلها “اللجنة” التي تحاول أن تحقق إضافة ولو متواضعة إلى نضالات شعبنا الذي يعتبر أن كل ذرة من ترابه، وكل قطرة دم في عروق شيبه وشبابه، مرهونة للعروبة، وقضيتها المركزية “فلسطين” غابراً وحاضراً ومستقبلاً.
“أبا الوليد” تغادرنا اليوم والوطن الذي خدمت بإخلاص يشمخ بالانتصارات، ويبدع في التضحيات في الحرب الوطنية العظمى، وجيشك ،جيش القضية الأقدس، يحقق معجزة العصر في اقتلاع أنياب التكفير الوهابي الصهيوني الرجعي، ويتحفز لإعلان النصر الناجز في اكتساح آخر بؤر الحرب الكونية على الوطن، دافعاً بذلك كفارة العصر عن الأمة العربية والإنسانية جمعاء، ومؤكداً المقولة التاريخية: ( إذا انسكب الماء على التراب يصبح طيناً، وإذا انسكب الدم على التراب يصنع وطناً هويته النبالة والعزة وعنوانه الكرامة وحرية الشعب).
تودعنا هذه الأيام يا أبا الوليد إلى حيث رفرف الخلود ينتظر الوطنيين والمناضلين من الشهداء والأنبياء والقديسين ليكون جزاؤهم الأعظم والأكرم في مستوى عطاءاتهم الثرة لترابهم الأقدس وأمتهم الماجدة وقضيتهم المركزية فلسطين.
سنذكرك أيها الكبير فينا، الذي كلما ازدحمت الأوسمة على صدره يزداد تواضعاً وعطاء واقتراباً من الناس ونصاعة يد وقلب ولسان ووجدان.
واللجنة الشعبية العربية السورية لدعم الانتفاضة ومقاومة المشروع الصهيوني التي ختمت شوط حياتك الأخير في ميدانها القومي الرحب، ستذكرك بالإكبار والاحترام والإجلال لروحك الطهور، ومسيرتك المترعة بالغيرية والوطنية، معاهدين القضية المركزية لأمتنا في استلهام قيم الشهادة الأرفع لجيشنا الأسطوري، والصبر الأبوي لشعبنا العظيم، والشجاعة والحكمة لقائدنا الذي أدهش العالم في إبداعه غير المسبوق في ميداني السياسة والسلاح مجهضاً مخططات الصهيو أمريكية، والرجعية النفطية الحاقدة في الحرب الكونية على الوطن.
أبا الوليد، لن نقول وداعاً، فالخالدون لا يودعون لحظة الرحيل الأطول، بل يستقبلون على الدوام بالود والورد والحب، لأنهم أبد الدهر خالدون وفي وجدان الأجيال يستوطنون.