الغرب.. وحروبه الجديدة!
حسن حميد
يكاد المرء لا يصدق أمرين ماثلين أمام العين والقلب في آن واحد، وهما ما قاله الغرب وما نادى به طوال القرون الماضية التي أسماها بعصر الإنسانية الذهبي، حين أيّد فكرة الجمهورية في مقابل الملكية، وجعل معاني البلاد جغرافية وتاريخاً وعيشاً وقيماً مشدودة إلى مفهوم الجمهور، أي الناس، أي الشعب، وحين أيّد فكرة الديمقراطية، أي جعل البلاد تحكم نفسها بنفسها، أي حين أعطى الإنسان ما يجب أن يُعطى بعد أن صادره أهل السلطة المختلفة طوال قرون سابقة، وحين أعطى أولويات لقيم مثل الحرية، والتعبير، والكرامة، وأولويات لحقوق لا غنى للإنسان عنها كي يكون إنساناً، وكل هذا كان مثاراً للإعجاب لأن فيه إنصاف للقيم النبيلة، لأن ما تولّد عنه كان كثيراً، وفي طالعه المناداة بسيادة الدول والبلدان على أراضيها، وعدم اعتداء الكبير على الصغير، والغني على الفقير، والحديث عن السلم العالمي، وحقوق الشعوب وكرامتها، ولكن كل هذا يذهب هباءً حين نرى الأمر الثاني الذي تحلّى به الغرب حتى صار ثقافة له وسلوكاً يعيشه، وأعني بالأمر الثاني هو تهديد الشعوب والبلدان بالقوة الباطشة كي تخضع لدول الغرب، وكي تصير تابعة لها في كلِّ أمر وشأن، لا بل إن الأمر تعدى هذا إلى أن تقوم البلدان الغربية بسن القوانين، من أجل احتلال البلدان وإخضاع الشعوب لإرادتها وبالقوة الغاصبة مهما كان عدد الضحايا كبيراً، وأيّاً كانت المجازر المقترفة بشاعةً، وأياً كان شكل الظلموت الذي لا يراعي قيماً، أو أعرافاً، أو قوانين، أو مواثيق دولية!
ومن المؤسف أن العالم الغربي غارق في الأمرين معاً، فهو غارق في الكذب من ناحية المناداة بالنبل والسمو وحقوق الإنسان والبلدان، إلى حدّ أنه كوّن لنفسه ثقافة اسمها ثقافة الكذب، وثقافة أخرى اسمها عدم الحياء حين يتشدق بالحديث عن السلم ويداه ملطختان بدماء الشعوب، وحين يتشدق بضرورة احترام القوانين وهو العاطب لها، وحين يتحدث عن القيم الإنسانية وهو يفتك بأجيال من البشر وفي جميع أنحاء المعمورة، وكل ذلك يحدث لأن الغرب لا يريد حقيقة سوى الهيمنة على العالم، لقناعته أن الكوكب الأرضي، هو مملكته، وعليه أن يقتل ويدمر كل من لا يسلّم بقدراته التدميرية ومقاصده (النبيلة)!
إن ما فعله الغرب في بلاد الهنود الحمر هو جريمة لا حدود لبشاعتها وظلمها وأحزانها الولود لأنه قضى على ملايين البشر من أجل أن يستحوذ على أراضيهم وأموالهم، ولأنه، وبسبب توحشه، لم يقبل باحتلال أرضهم وأخذ أموالهم فحسب، بل قتل الناس جميعاً ووظّف الآخرين لمساعدته في قتلهم، وهذا ما سنرى صورته المتشظية دماً، فأسبانيا احتلت، وقتلت، وظلمت، وفرضت لغتها على بلدان أمريكا اللاتينية، وبريطانيا فعلت الأمر ذاته هي وفرنسا وإيطاليا والكثير من الدول الغربية في قارات أخرى مثل آسيا وأفريقيا وأستراليا، وكل ما فعلته اليد الغربية جرائم لا أدري كيف ينام الغرب من دون أن يقتله ندمه وهو يرى صورته البشعة في مرايا الآخرين! وقد طوّر الغرب أشكال الاحتلال للبلدان والشعوب وفنون القتل مرات ومرات لأن ثقافة القوة ظلت هي المرتكز الأساسي الباحث عن الهيمنة، ومن هذه الأشكال الحربية التي يستخدمها الغرب لتطويع البلدان والشعوب.. الحرب الجرثومية التي كان ينقلها بوساطة القنابل في أثناء الحروب، لكنه اليوم، طوّر هذا الأمر، فصار يرسلها بوساطة الفيروسات في زمن السلم لأن روح الحقد هي جوهر الذات الغربية، ولأن ثقافة إلحاق الآخرين بها هي جوهر الحراك الغربي كله.
أقول هذا، لأسأل: تُرى، هل فيروس كورونا الجديد اختراع غربي لتطويع الشعوب وإذلالها؟!
Hasanhamid55@yahoo.com