المهرّب.. والمتهرّب..!؟
لا يكاد يوجد أي خلاف جوهري بين المهرّب والمتهرّب، فكلاهما يخالف الأنظمة النافذة والأعراف الاجتماعية ويرتكب الموبقات..!.
وعندما تكشف الجمارك أن محلات بعض التجار تحوّلت إلى واجهة لمستودعات المهرّبات، هذا يعني “ذوباناً” كاملاً بين المهرّب والمتهرّب..!.
أحد أبرز الأهداف المشتركة بين المهرّب والمتهرّب الربح الفاحش وهو دائماً ربح “حرام”..!.
لا يتورّع المهرّب عن إدخال سلع فاسدة ونافقة وتفتقر إلى الحد الأدنى من المواصفات لشفط أكبر قدر من الربح الحرام..!.
وإذا كان المهرّب لا يتورّع عن إدخال مهربات فاسدة لأنه يشتريها بأبخس الأثمان، فإن الكثير من التجار يتهرّب من تنفيذ القرارات التي تلزمهم بإتلاف المواد التي انتهت صلاحية استهلاكها أو استخدامها، فلا يتورّعون عن تزوير لصاقة صلاحياتها غير آبهين، مثل المهرّبين تماماً، بما تلحقه من ضرر صحي على المستهلك..!.
وإذا كان المهرّب يتفنّن بوسائل إدخال المهربات إلى البلاد خلسة، فإن التاجر المتهرّب يتفنن بالتلاعب بفواتير المواد المستوردة فيخفّض من كمياتها وأسعارها كي لا يدفع من الرسوم المتوجبة عليها سوى النزر اليسير جداً..!.
كما لا يتورّع التاجر المتهرّب من دفع الضرائب عن التلاعب في سجلاته وتزويرها كي لا يدفع الضريبة المستحقة على أرباحه، بل أغلبهم “يكذب” ويزعم أنه تعرّض لخسائر جسيمة، وبالتالي لا تترتب عليه أية ضريبة..!.
ولا نبالغ إذا قلنا إن المتهرّب أكثر “حرفية” من المهرّب، لأن ممارساته غيرالقانونية وغير الاجتماعية تشمل جميع نشاطاته التجارية، في حين المهرّب يقتصر عمله على نطاق محدّد..!.
وبما أن محور عمل الكثير من التجار ممارسة فن التهرّب، فإنه من الطبيعي ألا يقتصر الأمر على التهرّب الضريبي بل التهرّب من أية التزامات قانونية وأخلاقية..!.
التجار جميعهم تقريباً يتهرّبون من تنظيم الفواتير ويرفضون تطبيق “الفوترة” لأنهم يرون فيها “الشر المستطير” الذي سيكشف السجلات الحقيقية لنشاطهم التجاري وأرباحهم الفعلية..!.
وبما أن الشغل الشاغل للمهرّب ممارسة فن التواري عن سلطات المكافحة، فإن أغلب التجار يتفننون أيضاً بالتواري عن الأجهزة التي تراقب أعمالهم وخاصة ما يتعلق منها بالعمال..!.
ليس خافياً على أحد أن أغلبية التجار يتهرّبون من تسجيل عمالهم في التأمينات الاجتماعية لأنهم ضد مساعدتهم في حال تعرّضهم لإصابة عمل أو لنيل مستحقاتهم في حال طردهم أو وصولهم إلى سن التقاعد..!.
ومع أن الحكومة تساهلت مع اتحاد غرف التجارة في مشروع قانون الاتحاد الجديد فقد أصرّوا خلال مناقشة مواد المشروع مع وزير التجارة الداخلية على رفض المادة التي تلزمهم بتسجيل عدد من العمال في التأمينات الاجتماعية، وطالبوا بإلغائها قبل عرض المشروع على مجلس الشعب..!.
نعم.. اتحاد غرف التجارة لا يتهرّب من تسجيل العمال في التأمينات بل يتهرّب حتى من تسجيل الحد الأدنى من عماله في التأمينات..!.
وعندما يكشف وزير التجارة أن رئيس اتحاد غرف التجارة يتهرّب من تسجيل عماله في التأمينات بدلاً من أن يكون القدوة والمثال، فلن نستغرب العدد الهائل من التجار الذين يتهرّبون من تسجيل عمالهم في التأمينات..!.
بالمختصر المفيد: الربح الفاحش هو العامل المشترك الذي يجمع بين المهرّب والمتهرّب، ومن أجله يرتكب الاثنان أبشع وأقذر الموبقات التي تلحق الأذى بالبلاد والعباد..!.
علي عبود