الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

ريمون بطرس يرفع مرساة الرحيل

 

 

نعت وزارة الثقافة المخرج ريمون بطرس الذي حملت أعماله سمات ميزتها عن غيرها، فهي لم تكن مجرد وعاء لأحداث اجتمعت في مكان وزمان واحد، إنما هي حصيلة فكر يحمل نظرة خاصة للثقافة والفن والموسيقا والحياة بشكل عام، لينتج عنها هارموني منسجم بالكلمة والشكل والصوت، ووراء أفلامه تكمن ثقافة سينمائية مرتبطة بالمجتمع بشكل يتيح للفيلم السينمائي أن يكون غنياً بمضمونه كمادة ثقافية وفنية قابلة للحياة، وليست مجرد مادة استهلاكية ينتهي تأثيرها بعد مدة محددة.
أحدث المخرج ريمون بطرس صدمة في فيلمه “أطويل طريقنا أم يطول؟” من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، يحيل فيها إلى عدد من الأسئلة والحيثيات، لكنه بقي مخلصاً لتيمته الأثيرة “العائلة والمكان”، وفي الأمس أحدث أيضاً الصدمة الكبيرة برحيله عن عمر ناهز الـ70 عاماً.
تمحورت أفلامه على مدينة حماة ونهر العاصي وعكست مدى ارتباطه ببيئته التي عاد إليها مراراً كي يروي غليله في دفء التربة التي استمد منها مشهده السينمائي، فقد ظهر ميله إلى السينما مبكراً، حيث كان يرتاد قاعاتها لمشاهدة أفلام المغامرات الأجنبية والأفلام الاستعراضية المصرية كأفلام فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وغيرهما، وفي عام 1974 أخرج أول أفلامه بعنوان “صهيونية عادية” وهو فيلم تسجيلي مدته عشر دقائق حاول من خلاله الكشف عن الحركة الصهيونية في العالم، وبعده جاء فيلم التخرج “نشيد البقاء” عن نهر العاصي، وأخرج “الشاهد” عام 1986، وتسجيلي “ملامح دمشقية” عام 2008.
ولع منذ سن الخامسة عشر بالفنون فعزف ريمون الكمان، وعشق فن النحت على الحجر على يدي والده الفنان أنطانيوس الذي زينت زخارفه جدران مساجد وكنائس مدينة حماة ومدن أخرى سورية ولبنانية وفلسطينية وأردنية، وإلى جانب تعلقه بالموسيقا، درس الفن السابع في الاتحاد السوفيتي كمعظم المخرجين السوريين، قدم للسينما السورية اثنين وعشرين فيلماً أربعة منها روائية طويلة وثمانية عشر فيلماً بين تسجيلي وروائي قصير، حضر ريمون بطرس في روائيين “الطحالب” عام 1991، و”الترحال” عام 1996، وعاد إلى دمشق ووجه إليها تحية في الروائي الثالث “حسيبة” عام 2008، وكان رسالة حب إلى نساء دمشق والشام عموماً وإلى أهلها وحجارتها وعمارتها وتاريخها كونها تكتنز أو تختزل تاريخ (5000) آلاف عام اعتمد فيها للمرة على نص أدبي لم يكتبه.
مارس ريمون بطرس الكتابة الصحفية والنقد السينمائي، كما احترف الترجمة من الروسية إلى العربية، وعمل مترجماً حيث ترجم نحو مئة وخمسين ساعة سينمائية لصالح التلفزيون السوري بين أفلام روائية وأخرى للأطفال، إضافة لبعض المسلسلات، كما ترجم عشرات الدراسات والمقالات بمختلف المجالات، وعمل محرراً للأخبار في إذاعة دمشق- القسم الروسي.