ثقافةصحيفة البعث

شابلن السوري يغادر إذاعته ومسرحه

رحل مروان قنوع عن الدنيا جسداً إلا أن أعماله وإنسانيته ولطفه وتواضعه ستبقى خالدة تاركة أثراً طيباً يحتذى به وتتحدث عنه الأجيال القادمة، فقد رحلت قامة استثنائية بتاريخ إذاعة دمشق والفن السوري، كان شديد الاحترام والدليل بعد رحيله عن عالمنا أخبرت شخصاً بوفاته كان يعمل في الصحافة عندما كان شاباً بعمر الـ22، دعاه مروان قنوع لحضور مسرحيته، وبعد تلبية الشاب الدعوة ومرور وقت قصير على العرض، أوقف قنوع العرض ورحب بالشاب وعبر عن فرحته الكبيرة بوجوده في المسرح. من يقرأ هذا الموقف يجد بالتأكيد الأخلاق العالية التي كان يملكها قنوع، والحب الذي يوزعه على أصدقائه ومعارفه ومن يحضر مسرحياته، وإنسانيته التي يتمتع فيها فهو صاحب الابتسامة الرائعة والنكتة الحاضرة دائماً.
مروان قنوع الذي توفي عن عمر ناهز الـ74، وقطع نجله الممثل السوري محمد قنوع سفره وترك تصوير مسلسل “حارس الجبل” -من إخراج سائد هواري- وعاد من أبو ظبي إلى دمشق، ليشارك في مراسم التشييع ويتلقى العزاء بوالده، ونعاه عبر صفحته الشخصية على الفيسبوك راثياً: “والدي وصديقي وحبيبي المخرج مروان قنوع في ذمة الله.. إنا لله وإنا إليه راجعون”.
ولد مروان قنوع في دمشق عام 1946، وبدأ مشواره الفني باكراً منذ عمر الـ12 على خشبة المسرح، وكوّن حلمه وسعى وراءه طوال حياته عندما انضم إلى الفرقة العربية للتمثيل، وغنى مع فرقة الراحل صبري عيّاد، ثم التحق بفرقة المسرح الحر عام 1958 وقدم أعمالاً عدة منها “شركة الكل” و”لف ودوران”، تلا ذلك شغله مع فرقة “المسرح الطليعي” بشراكة الكاتب الراحل أحمد قبلاوي، والنجم الراحل طلحت حمدي، حينها قدم أعمالاً عدة منها “ليلة ما بتتعوض” و”أول فواكي الشام يا فانتوم” و”طرة ولا نقش”. والمحطة الأبرز في مشواره كانت عندما انتقل عام 1974 للعمل مع أشقائه الراحلين الكاتب هاشم والمخرج عمر والممثل أحمد وتشكيل فرقة “دبابيس” التي عرفت باسم “الأخوين قنوع” وعملت فيها أسماء مكرسة مثل رفيق السبيعي “أبو صيّاح” فهد كعيكاتي “أبو فهمي” وأنور البابا “أم كامل” وقدمت مجموعة مسرحيات وصلت إلى 55 أسهمت في تشييد علاقة متينة مع الجمهور ومنها “العز للرز” و”بين حانا ومانا” و”المنافيخ”، وكان الراحل قنوع يحزن كثيراً عندما يطلق على هذا المسرح “المسرح التجاري” حيث قال: “كنت أقول لا يوجد في العالم أي عمل غير تجاري، الكل يبحث عن مردود مالي، في كل الأحوال أطلقوا عليه المسرح التجاري فليكن، ليت المسرح يرجع وليسموه ما يشاؤون، كل عمل فيه تجارة، أنا أريد أن أقدم شيئاً لهذا المتفرج، متفرج جاء ودفع ثمن التذكرة، فكرة اجتماعية، فكرة ضاحكة، والحال أننا قدمنا لوحات فحواها الضحك من أجل الضحك”.
الدور الذي التصق به لسنوات هو دور شارلي شابلن، وقد أحبه الناس بالمسرح في هذه الشخصية وكان مغرماً بها ويشبهها في الشكل، وقد قال في إحدى مقابلاته “أنا أشبه شارلي شابلن خاصة بعد أن أطلقت شارباً شبيهاً بشاربه، وأذكر أنني رأيت صورة لوالدي منذ عام 1930 أي عمرها 80 سنة، فرأيت هذا التشابه بين والدي وشارلي شابلن، وقد اشتغلت هذه الشخصية طيلة أربعين عاماً في المسرح”. ‏
إلى جانب العمل في المسرح، كان الراحل واحداً من مؤسسي نقابة الفنانين السوريين، ومكرّساً للفن الإذاعي في سورية، سرقته الإذاعة والمسرح من أضواء التلفزيون، ورغم العروض الكثيرة جداً التي قدمت لمروان قنوع من أجل إخراج مسلسل تلفزيوني رفضها لأنه لم يشأ أن يغامر بلذته في العمل الإذاعي والمسرحي، وكان يرى أن نجومية الشاشة الصغيرة لا تجذبه، فقد عمل في إذاعة دمشق مخرجاً للبث المباشر منذ أن أسس برنامج “معكم على الهواء” عام 1982، كما عمل مخرجاً لكثير من المسلسلات والبرامج الإذاعية ومنها برنامج “آفاق مسرحية” والمسلسل الشهير “يوميات عائلية” -تأليف عبد الكريم إسماعيل، بطولة وفاء موصللي وعصام عبه جي- وبرنامج “حكم العدالة”، كما شغل منصب رئيس دائرة التمثيليات في الإذاعة العريقة، ورئيساً لدائرة المنوعات، وكان عضواً في لجنة البرامج الإذاعية، وعضواً في اللجان الفاحصة في النقابة ذاتها.
الجوائز
شارك في العديد من المهرجانات العربية، ونال العديد من الجوائز الذهبية والفضية والتقديرية في مهرجانات عربية ودولية، فقد نال “جائزة الإبداع الذهبي” من مهرجان القاهرة العاشر للإذاعة والتلفزيون عام 2004 عن مسلسل “المرقش الأكبر”، كما تم تكريمه في مهرجان دمشق المسرحي عام 2008.
جُمان بركات