الدروب الملتوية..!
حسن حميد
أتابع ما تكتبه الصحافة الغربية عن الحال التركية المريضة بالغطرسة (وشوفة الحال) في سنوات الحكم الأخيرة، لأنها أفسدت كل المدارات التي حوّمت فيها داخلياً وخارجياً. وأنا هنا لا أعني عموم الصحافة الغربية، وإنما أعني بعضها في بعض التحليلات السياسية لرصد غايات السياسة التركية، والوقوف على مراميها وأهدافها الظاهرة والمستبطنة في آن، لأن معظم ما يُكتب في الصحافة الغربية حول السياسة التركية تجاه محيطها هي كتابات شاحنة للبغضاء التركية كي تقوم (بترويض) المحيط بوصفها دولة من دول حلف الناتو، ولكن بعض هذه الصحف تتحدث بوضوح، وبعمق، وواقعية لتبدي لقرائها ما الذي تريده هذه السياسة التركية في المنطقة منذ ثلاثة عقود وحتى اليوم.
أولاً، تقول هذه الصحافة إن مساً من الجنون يحكم هذه السياسة المتطلعة إلى استعادة ماضٍ ليس من سبيل إلى استعادته في هذه الأيام، ولهذا فإن أحلام السياسة التركية هي أوهام ليس إلا، وأن بصيرة السياسة التركية عمياء لأنها لا ترى أنها كانت، وفي محيطها، دولة محتلة، احتلت أراضي جيرانها بالقوة الباطشة، وأخضعت الشعوب بالطغيان العسكري والقرارات الظالمة التي سنتها، شأنها في ذلك شأن أي دولة احتلال لا تعتمد في سياساتها إلا على القوة، وعدم احترام الآخر، بل عدم الاعتراف بوجوده أيضاً.
وثانياً، إن العماء التركي المنصرف إلى الخارج/المحيط هو عماء مضاعف لأن مشكلات كثيرة تزداد تعقيداً داخل المجتمع التركي، وذلك حين نرى خطوط سياساتها المتشابكة على غير صعيد، وأهمها الصعيد السياسي، فالسياسة التركية تدعي مناصرة المظلومين، وهي لها علاقات واسعة جداً مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتنفذ طلباتها، وأمريكا لا تهمها الشعوب المظلومة، ولا من ظلمها، والسياسة التركية لها علاقات واسعة /عسكرية واقتصادية/ مع الكيان الصهيوني، وفي الوقت نفسه تدعي مناصرة أهل فلسطين ودعمهم، ولا أحد، حتى الأتراك أنفسهم، يعرفون أو يدركون كيف تدعم سياسات تركيا الفلسطينيين وهي ترتبط بالكيان الصهيوني بعلاقات إستراتيجية ذات أبعاد خطيرة منها العسكرية والاقتصادية.
وثالثاً، أن السياسة التركية لها مشكلات داخلية جمة مع الأكراد، والأرمن، والأحزاب السياسية، والمعارضة، والأصوات القومية، والكتل الاجتماعية المظلومة.. وهي غير قادرة على حل هذه المشكلات بالانتخابات أو الولاءات أو القوة لأن الغطرسة جعلت السياسة التركية في بعديها الداخلي والخارجي لا ترى بوضوح.
وأن السياسات التركية تعاني من سوء علاقات مع جميع الأطراف، ومن هذا الجميع، روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، فهي ليست محمودة السياسة مع الروس، لأن صوت السياسة التركية الناقدة للسياسة الروسية عالٍ في أنقرة، ومعدوم في موسكو أو مطفأ، وهذا ليس شذوذاً، وإنما هي سيرورة السياسة التركية، وكذلك هي الحال مع السياسة الأمريكية، ولهذا تقول التحليلات الغربية إن التخبط هو ميزة السياسة التركية، ولعل أبرز وجوه هذا التخبط هو ما تعانيه السياسة التركية تجاه الحرب المفروضة على سورية، فالعنتريات التركية صخّابة وضاجة في أروقة دوائر أنقرة لكنها باهتة وضعيفة جداً في المواجهات مع الجيش العربي السوري، وهي ذات مفاعيل دونكيشوتية ليس إلا! وتسرد هذه التحليلات ما تنطعت له السياسة التركية منذ عام 2011 وحتى يومنا الراهن، وتقيّمها بأنها تخبط، وردود أفعال، وتنفيذ لأوامر خارجية، وبناء أبراج من الأوهام!
بلى، من الضروري أن نطلع على هذه التحليلات الغربية لنعرف ما فيها من خير وشر، وما فيها من قمح وقش، لأن أوروبا لم تنظر إلى تركيا، في يوم من الأيام، بمنظار الند أو الشريك، وكذلك هي الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك تركيا معزولة في محيطها فهي على عداء كبير مع جميع جيرانها بسبب غطرسة سياساتها وتخبطها في آن، ولهذا فتركيا لن تعرف طريقاً مستقيماً تتبعه لأنها اعتادت المشي في الدروب الملتوية، ولأنها رأت في التخبط نهجاً، كما أنها لن تعرف انتصاراً ذا قيمة في الداخل والخارج لا في اليوم ولا في الغد!
Hasanhamid55@yahoo.com