الاستثمار في الثقافة ضرورة ثقافية واقتصادية واجتماعية معاصرة
لأهمية الموضوع وضروراته اليوم في سورية أقامت جمعية عين الفنون ندوة تحت عنوان “الاستثمار في الثقافة” بحضور د.بثينة شعبان المستشارة الإعلامية في رئاسة الجمهورية ورامي مارتيني وزير السياحة ونخبة من المسؤولين في الدولة ومن المثقفين السوريين في المجالات كافة من كتّاب وصحفيين وموسيقيين وممثلين وفنانين تشكيليين، بالإضافة إلى جمهور من المهتمين بالشأن العام، وقد تضمنت الندوة مداخلتين، الأولى لأستاذ القانون د.عصام التكروري والثانية لمدير مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية د.علي إسماعيل.
ثقافة نابضة بالحياة
افتتح الندوة د.طلال معلا رئيس الجمعية الذي أكد أن ما أشار إليه السيد الرئيس بشار الأسد في لقائه مؤخراً مع وفد من اتحاد الكتّاب العرب حول الاستثمار في الثقافة يستدعي الوقوف عنده لأهمية طرحه في هذا الوقت.. من هنا كانت الدعوة للقاء مجموعة من المثقفين والاختصاصيين والمهتمين وذوي الخبرة في هذا المجال الحيوي لمناقشة هذا المقترح باعتباره ضرورة ثقافية واقتصادية واجتماعية معاصرة، مبيناً أن الأمر يحتاج للتنسيق لاحقاً مع بعض الجهات الحكومية والخاصة، والدعوة لمؤتمر حول الاستثمار بثقافة نابضة بالحياة كتوجه يرفد الاقتصاد الوطني من خلال المخرجات الفنية والثقافية واستثمار الإمكانيات الإنسانية والخبرات والمؤسسات الثقافية الوطنية ودعم الموازنة العامة التي تعود بالفائدة على تطوير الإدارة الثقافية وإدراك أهمية السياسات الثقافية التي تتيح للمجتمع السوري الاستثمار بالثقافة من قبل أصحاب القرار، موضحاً أن البحث عن سبل تضع هذا المشروع على طريق الإنجاز يبدأ من الحوار الجاد بين المثقفين للإجابة على كافة الأسئلة التي تساعد في بلورة المشروع وتنفيذه باعتباره أولوية تنموية للمثقفين ولمنتجي الثقافة ومستهلكيها في زمن اقتصاد المعرفة والثقافة والفنون، وبحيث تساعد مخرجات هذه الندوة في إيجاد السبل التي تساعد في استثمار الثقافة وإقناع المستثمرين بالجدوى لإنتاج صناعات ثقافية والتأسيس لعقلية صناعات ثقافية وعقلية إدارية قادرة على إدراك معنى السلعة الثقافية بحسب نوعها على المستوى الاقتصادي، وكذلك سبل الإنتاج والتسويق والترويج والتصدير والتدريب وباقي عناصر الإدارة الاستثمارية والتسويقية للثقافة الوطنية، مشيراً إلى أن هذا المشروع الرائد يرتبط بتحقيق التنمية الثقافية والفنية والفكرية والسياسية للمجتمع السوري، بالإضافة للتنمية الاقتصادية والإدارية عبر تعزيز ثقافة الإنتاج والاستثمار بالثقافة وشحذ الهمم للتحضير لكل مايحتاجه هذا الأمر، خاصة فيما يتعلق بالتشريعات والقوانين ذات الصلة بالمنتجات الثقافية وصولاً للمناهج التربوية والجمعيات والشركات المتخصصة والمشاريع الثقافية الصغيرة والكبيرة وكل مايسهم في استثمار الموارد الثقافية السورية ويجعل من الصناعات الثقافية والإبداعية محركاً إبداعياً واقتصادياً رئيسياً.
إعادة إعمار الوعي
ورأى د.عصام التكروري أن مصطلح الاستثمار في الثقافة بذاته هو مصطلح إشكالي لأن الاستثمار في الثقافة مسألة ما زالت تخطو بخطوات وئيدة وهي بحاجة إلى تأطير من خلال برامج يتم وضعها من قبل المثقفين أنفسهم للقيام بهذا المشروع،حيث يتم وضع خطة وطنية للاستثمار كأولوية لأن إعادة الإعمار برأيه يجب ألا تقتصر على إعادة إعمار الحجر وإنما إعادة إعمار الوعي، وهو العنوان العريض لمسألة الاستثمار في الثقافة، مشيراً إلى أهمية وضع خطط عملية كي يُترجَم ذلك إلى واقع، موضحاً التكروري أن إعادة إعمار الوعي تبدأ من الاستثمار في الثقافة لأنها تحمي وتخلق أرضية للتنمية الفكرية ذات الطابع الاقتصادي، ومبيناً أن تناول السيد الرئيس لهذا المصطلح في هذه اللحظة بالذات ما هو إلا تأكيد على أهمية أن يتم الشروع بالاستثمار بالثقافة، ولكي يكون المثقف أمام فعل ثقافي إبداعي حقيقي يرتبط ذلك برأي التكروري بحرية التعبير، فالعلاقة وثيقة بين حرية التعبير وحرية التفكير،فحرية التعبير المحدودة تؤدي إلى حرية تعبير محدودة،وبالتالي إلى إبداع مسحوب الدسم لا يصلح لأن يكون منتجاً قابلاً للاستثمار فيه.. من هنا دعا إلى أن يتم فحص منتجنا الثقافي على الأقل من مرحلة الاستقلال لليوم وتصنيفه ما بين منتج قابل للعمل عليه وبين منتج لا يمكن التعويل عليه لأن في النهاية مسألة حرية التعبير بالنسبة للمثقف هي خبزه اليومي ولا يستطيع أي منتج ثقافي أن يتحول إلى منتج له وزنه دون أن يكون ذا نوعية عالية الجودة من الأفكار الجيدة والجديدة التي يحملها.
مسؤولية الجميع
أما د.علي إسماعيل وهو يمثل واحدة من المؤسسات الدولية التي تعنى بالحفاظ على التراث الثقافي العالمي “مؤسسة الآغا خان”فقد بيَّن أنها تعمل في أكثر من 52 دولة بمشاريع مختلفة من أفغانستان وصولاً إلى كندا، وأن الإطار العام الذي يحكم هذه المؤسسة هو إعادة إحياء التراث الثقافي الإنساني في أماكن مختلفة، ليس فقط من إعادة الحياة للحجر بل تفعيل حماس البشر والاستثمار في الثقافة، وهي مسؤولية الجميع،أفراداً ومؤسسات.
إستراتيجيات وخطط
وأشارت د.بثينة شعبان إلى أن قذائف الحرب تركت لدينا يقيناً أنها أولاً وقبل كل شيء حرب على الهوية الثقافية الحضارية السورية، لذلك من الأهمية التفكير اليوم بشكل إستراتيجي وخلاق بإعادة تشكيل هذه الهوية واحتضانها من قبل الشعب، ويؤسفها أننا في العالم العربي لدينا نية طيبة ونريد أن نعمل،ولكن ما زالت آليات العمل تنقصنا،ولقناعتها أن الأعمال الفردية قد تؤثر ولكنها لن تغير مجرى التاريخ تبيّن أنها مع النخبة الطليعية لأن الناس لا يستطيعون صنع أشياء مهمة دون وجود رؤى واستراتيجيات وخطط ليتم بعدها احتضانها من قبل الناس.
إنقاذ ما تبقى من حضارة
كما بيّن وزير السياحة رامي مارتيني أننا في زمن الحرب أحوج ما نكون للإضاءة على موروثنا وحضارتنا المتجذرة في هذه الأرض، لأن الحرب التي نخوضها اليوم ليست عسكرية، بل إن جزءاً كبيراً منها يهدف إلى نسف كل ما يتعلق بالحضارة في الشرق وفي سورية بالذات، ودليل ذلك ما حدث في حلب القديمة وفي أرياف إدلب من قلعة سمعان وصولاً للغاب، فكل هذه المدن كانت الدولة السورية تحاول بشكل جدي الإضاءة عليها وكانت هناك مشاريع كثيرة تعمل عليها، لذلك نحن أحوج ما نكون للاستثمار بالثقافة وإنقاذ ما تبقى من حضارة، وهذا ما يتم التركيز عليه في كل المحافل لإنقاذ الحضارة في المشرق، مؤكداً أن الاستثمار في الثقافة هو لإنقاذ ما تبقى والبناء عليه وإعادة ترميم ما دمّر في هذه الأرض في الحجر والبشر لأننا قادمون على حرب أصعب.
الثقافة المشتهاة
وتحدث الفنان أيمن زيدان عن مسارين متوازيين يجب أن يفكر بهما كل من يعمل بالشأن الثقافي: الأول تكتيكي إسعافي تفرضه الظروف الخاصة ببلدنا، والثاني استراتيجي إلى جانب محور آخر مشتهى ومنشود، في الوقت الذي يجب أن نسأل من هو المستثمر وهل يتضمن الاستثمار لمفهوم الربح لأن المشاريع المقدمة كانت ذات طابع خدمي، منوهاً إلى أن أركان الاستثمار ثلاثة: المثقف والبنى المادية والبنى القانونية، وهي معادلة ناقصة برأيه ليبقى السؤال كيف يمكن أن تكون صيغة الاستثمار بالثقافة المشتهاة؟.
أمينة عباس