الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

تساؤل في السياق

 

عبد الكريم الناعم

-في سياق ما مرّ بهذا البلد، وما يمرّ، تتلاحق الكثير من الأسئلة، لاسيّما وأنّنا ما زلنا في خضمّ المعركة، وهي معركة طويلة، ومن المهمّ، والمركزيّ فيها، أنّها، رغم كلّ ما عانيناه، هي في مرحلة “الإدبار”، التي قال عنها أمير المؤمنين والبلاغة عليّ (ع)” إنّ الفِتَنَ إذا أقبلتْ شَبَّهَت، وإذا أدبرتْ نَبَّهتْ”، أي أنّها في بداياتها تثير الكثير من الشُّبَه، وفي انكسارها،.. إدبارها،.. نبّهت، للمراجعة واستخلاص الدروس، ووضع الخطط للخروج من آثارها المدمِّرة على الصُّعد كافّة.
منذ عدّة أيام وثمّة سؤال يُلحّ عليّ، على الرغم من أنّني وآخرين تعرّضنا له في بعض مقالاتنا، أعني الذين لم تُعمِ بصائرهم، ولا أبصارهم، كمّيّات الضخّ الإعلامي التي أرادت أن تُسقط صمود هذا البلد عبر الإعلام المُضلّ الضالّ، هذا السؤال عن أولئك الذين عرفناهم، وعايشناهم، وكان لبعضهم “نجوميّة”! في مساحة الثقافة والكتابة، لأنّنا لا نتحدّث عن أناس جهلة، مسكونين بالخرافة، وما يقوله ذلك “الشيخ الأفّاق”، ولم يكونوا أغبياء في فهم مجريات التاريخ، وفي تحليلها، وكانت لبعضهم رؤى، وآراء (تقدميّة)! بل تقدميّة جدّاً، هؤلاء كيف سقطوا ذلك السقوط المروِّع، فإذا هم ينحدرون، بدراية إلى مواقع هي على ضفافٍ، ما كان لأكثر المتوقّعين تشاؤما، وقبولَ فوادح، أن يظنّ أنّهم سيكونون فيها.
لأقلْ إنّ بعضهم، -هذا مع تغليب حسن الظنّ-، قد توقّع أنّ المعركة هي بنت أشهر، أو ربّما بنت أيام، وينهار هذا (النظام)!! فسارع إلى الالتحاق كي لا يفوته القطار، وتلك هي صورة من صور (الانتهازيّة)، ثمّة مَن وقف يتفرّج، وينتظر، ولا يستطيع الخيار الحاسم، وذلك هو (العجز)، وثمّة مَن جمّده الخوف عند الخوف، فهو لا يتجرّأ على اتّخاذ موقف، وذلك هو (الجُبن)، وثمّة مَن كان ضالعاً، وصلاته ببعض مراكز الأخبار المشبوهة معروفة، وهؤلاء هم (خوَنة)، لاسيّما وأنّهم كانوا يعرفون مع مَن يتعاونون، سواء أكانوا قيادات، أم توابع لها، ولا أتكلّم عن “الغوغاء” التي يمكن تهييجها في كلّ زمان.
دُعينا قبل قرابة ثلاثين سنة إلى محاضرة أقيمت في بيت واسع، ألقاها أحد جهابذة زمنه، فحلّل، وركّب، وقدّمَ رؤى تقدميّة، يساريّة، ربّما غبطه الكثيرون عليها، وكان له حضوره في معظم محافل اليسار، كواحد من رموزه،.. هذا.. ما إن اندلعت شرارة الحريق العربي حتى كان من “دبّيكة الأوّل”، يدبك وينخّ، فإذا هو و”العرعور” يركبان زورقاً واحداً، يا إلهي!! أين كان يختفي كلّ هذا العفَن، لدرجة أنّ مَن كانوا من أصدقائه، أو في صفّه، ممّن وقفوا وقفة واضحة صلبة، نقيّة ضدّ تلك المؤامرة، حين تذكّرهم اليوم ولو بالإشارة إليه.. يخجلون، ولا يجدون جواباً.
هل صحيح أنّ هذا وأمثاله قد اكتشفوا حقيقة ما آلوا إليه دفعة واحدة، وبوحي لا يُردّ، أم أنّ ثمّة بؤراً عميقة نفسيّة كانت محفورة في الداخل، كانت هي الأصل، وما عداها مجرّد زيف كاذب، وطلاء ماحل؟!!
تُرى كيف يعمى البعض عن أنّهم انزلقوا إلى مصاف الخيانة، ولم يخجلوا منها، فبعضهم يشمت ببلده حين تعتدي عليه إسرائيل أو تركيّا، وبعضهم زار إسرائيل، وبعضهم أُتْخم بالمال السعودي، وبالدولارات الأمريكيّة.
رحم الله الكاتب المتعدّد المواهب وديع اسمندر الذي أمضى في السجن ثماني سنوات، وحين اندلعت الشرارة كان موقفه كشفرة سيف عربيّ، وكنّا على اتصال شبه يومي، وقد التقط الإشارة منذ الشعار الأوّل الذي سمعه من المتظاهرين في “جبلة”: “لا حزب الله ولا إيران/ بدْنا بندر بن سلطان”، فنسي عزلة سنوات السجن، وما ذاق فيها، وكان الوطن هو الحاضر الأوّل في وجدانه.
سمعت أنّ ثمّة مَن يُطالب بانفتاح ” النظام”!! على بعض هؤلاء، تُرى أيّة دعوة هذه؟!!
لا تسامح مع أيّ خائن، أمّا ما دون ذلك فهو قابل للأخذ والردّ.
نسامح من أجل مصلحة الوطن، مَن لم يخُنْ، وقد نُغضي عن البعض، هذا يحدث بعد مثل ما حدث في سوريّة، ولكنّني أقول ممنوع أن ننسى، حتى لا تتسلّل الجرذان مرّة أخرى.

aaalnaem@gmail.com