تحطم أحلام أردوغان
كانت فكرة إعادة إحياء الامبراطورية العثمانية لا تفارق أحلام أردوغان منذ تنصيبه كرئيس لتركيا، ولهذا الغرض أبدى حماسة مفرطة لملء الفراغ الذي خلّفته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعد فك ارتباطها بالمنطقة، وخاصةً في سورية التي يعتقد أنها يمكن أن تكون الحديقة الخلفية لبلاده.
في معركة تحرير إدلب من الإرهابيين ظهرت نتائج عديدة، أهمها عدم دراية “الامبراطور العثماني” بتعقيدات المشهد العسكري والسياسي، وتجلّى ذلك بضعف القوات التركية، وبتهديد مستقبله السياسي. وفي هذا الشأن يقول سونر كاجابتاي مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “ما رأيناه في إدلب هو مأزق امبراطورية أردوغان، لقد أثبتت رؤيته خطأ فادحاً”. وحتى في شرق البحر الأبيض المتوسط، أراد أردوغان كسب مساحات من المياه تطالب بها اليونان في صفقة مع ليبيا من شأنها أن تكون لها آثار كبيرة على الطاقة.
لقد تعززت أحلام أردوغان في أعقاب ما سمي “الربيع العربي” 2011 مباشرة حين تراءى للامبراطور الحالم أن الشرق الأوسط بدا منفتحاً على جيل جديد من القادة الذين يتطلعون إلى النظام التركي كنموذج لحكومة إسلامية تتبع النهج الغربي والأطلسي.
لكن آمال أردوغان في إيجاد قادة مشابهين له في التفكير، سواء في مصر أو تونس أو سورية قد تبددت حين أُطيح برئيس جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر محمد مرسي في عام 2013، وتنحي حزب النهضة في تونس، ودخول روسيا إلى جانب سورية في الحرب على الإرهاب عام 2015 وقلب كل مخططات “الإخوان المسلمين” وعملائهم في تركيا.
لهذا من غير المرجّح أن تكون تركيا آخر قوة متوسطة الحجم تحاول تأكيد نفسها بهذه الطريقة، ووفقاً لغراهام أليسون، الأستاذ بجامعة هارفارد، “إن زوال ما يسمى بلحظة القطب الواحد للهيمنة الأمريكية التي أعقبت الحرب الباردة قد فتح الباب أمام الآخرين للعمل، فالدول لاحظت أن قوتها النسبية قد ازدادت، ومع تراجع رغبة الولايات المتحدة في ممارسة القوة، فإن هذه الدول سيكون لها مشاريعها، سواء كانت الولايات المتحدة ترغب في ذلك أم لا.
لكن إدلب، آخر معقل للإرهابيين والمتطرفين المرتبطين بـ “القاعدة” الذين يعملون تحت إمرة أردوغان منذ فترة طويلة، قصة مختلفة. يقول أليسون: “لا يوجد سبب للاعتقاد بأن القوى المتوسطة ستكون أكثر ذكاءً من القوى العظمى”، مشيراً إلى إخفاقات مكلفة لكل من الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة في أفغانستان.
لقد ضاعف أردوغان رهانه على اللجوء إلى القوة العسكرية حين فشلت الدبلوماسية في كل من سورية وليبيا لإيجاد موطئ قدم في مجال مزدحم بالقوى الخارجية الأخرى، وهو ما أدى إلى ابتعاد الحلفاء التقليديين في الغرب عنه.
عناية ناصر