تلوث الغذاء وتهاجم الإنسان.. وجهاز واحد فقط يتعرف عليها .. “الطاقة الذرية” تكتشف الترب الملوثة وتستعد لتفكيك الديوكسينات!
دمشق– فداء شاهين
تواجه البيئة والصحة العامة الكثير من التحديات والمخاطر وخاصة تلك التي خلّفتها الحرب الإرهابية على البلاد، وسببت في تفاقم الملوثات الكثيرة منها المكتشف، وبعضها مازال مدفوناً تحت ركام الحرب، والتي تتطلب المزيد من البحث والتقصي للحد من خطورتها والتوعية بها لتحمل المسؤولية، ومن الملوثات التي اكتشفت في بيئتنا “الديوكسينات” الناتجة عن احتراق المواد العضوية والغابات.
مدير البحوث في هيئة الطاقة الذرية الدكتور عبد السميع محمد هنانو بيّن لـ”البعث” أنه تم إجراء بحث علمي بالتركيز على الملوثات العضوية المعندة، وتعتبر الديوكسينات جزءاً من هذه العائلة التي تتراكم حيوياً ضمن السلسلة الغذائية، وهي عبارة عن مركبات عضوية، بنيتها الكيميائية صعبة التفكك في البيئة، وبالتالي لها سمية خطيرة جداً كونها تضرب الجهاز المناعي لدى الإنسان، وتضرب غدة الكبد والأعضاء التناسلية، ومشكلتها الخطيرة أنه ليس لها لون ولا رائحة، وبالتالي صعب التنبؤ عن وجودها، إلا بطرق كيميائية تحليلية، وهذا الأمر معقد يتطلب تقنية تحليلية متطورة جداً ومتوفرة فقط في مخبر هيئة الطاقة الذرية.
وأوضح هنانو أن الديوكسين يصيب المسطحات والنباتات، وبالتالي تتعرّض الحيوانات التي تتغذى على النباتات الملوثة بالديوكسين، وتتركّز في المنتجات الحيوانية الدسمة، ومن ثم تنتقل من خلال الغذاء الحيواني الدسم إلى جسم الإنسان، ويتركّز بشكل أساسي في غدة الكبد، إذ بينت الأبحاث أن 95% من الديوكسين الذي يمكن أن يلوث أجسامنا مصدره الغذاء الملوث، علماً أن سمية الديوكسين هي على جميع مفردات النظام البيئي، حيث ينتقل إلى النبات، ومن ثم إلى الحيوانات، ومنها إلى الإنسان الذي يمثّل أعلى الهرم، أما قاعدة الهرم هي الكائنات الحية الدقيقة، وعلى سبيل المثال يعتبر تأثير الديوكسينات على الإنسان أولاً إبطال أنزيمات غدة الكبد بشكل كبير ومنه تأثيرات خطيرة على الأعضاء التناسلية وتأثيره على الجهاز المناعي، كما تعتبر الديوكسينات، وهذا مثبت علمياً، أحد المركبات التي تعمل على تنشيط حالة التسرطن، كما يؤدي في حالة الجرعة المرتفعة إلى الموت المبكر.
وأضاف هنانو: إن البيئة السورية تعرضت لانتهاكات خطيرة بسبب الحرب، وبالتالي مصادر انبعاث الديوكسينات ازدادت في الفترة الأخيرة، ونحن كمركز في هيئة الطاقة الذرية أولينا هذه القضية اهتماماً بالغاً، وكان من الأهمية إنشاء مشروع بحثي يهتم بموضوع الديوكسينات وتحجيم أضرارها في البيئة، وكمجموعة عمل مهمتها الأساسية هي تقليص حجم تأثيرها أقل قدر ممكن، علماً أنه بالرغم من تركيبته المعقدة، إلا أن هناك متعضيات قادرة على مهاجمته وتفكيكه إلى مركباته الأساسية الكربون والهيدروجين.
وأشار هنانو إلى تحليل بعض عينات الترب من بعض المناطق، وكانت بعضها تحتوي الديوكسينات بسبب مخلّفات النشاط الصناعي، وكان الموضوع الأساسي للمجموعة البحثية في الهيئة عزل كائنات حية دقيقة من مواقع ملوثة بالديوكسين في سورية مع التركيز على بعض المناطق التي تكون فيها النشاطات الصناعية مهمة على سبيل المثال منطقة بانياس، وبعض مناطق غابات الفرنلق التي تعرضت للحرائق، ومنطقة حمص وطرطوس، وتم تحليل عينات التربة من حيث محتواها بالديوكسين، وأهم النتائج التي تم التوصل إليها من حيث تلوث التربة يبدو أن الأمر يختلف بين تربة خالية وأخرى عالية التلوث بالديوكسينات، وكانت عينات الترب المعزولة والمجموعة من المنطقة المحيطة بمصفاة حمص الأكثر تلوثاً بالديوكسينات.
ولفت مدير البحوث إلى أن الوقاية تتمثّل باكتشافه بطريقة تحليلية وأن تتوفر أجهزة لكشف مناطق وجودها، حيث يوجد عدة طرق لمعالجتها، أهمها الطرق الحيوية، وهي عزل الكائنات الحية القادرة على تفكيكه بطريقة آمنة، علماً أن المشروع النهائي للمجموعة هو فهم الآليات الحيوية والجزيئية، والحصول على منتج وطني قادر على تحطيم الديوكسينات في البيئة السورية.
وبيّن الاختصاصي في الطب الوقائي والصحة العامة الدكتور محمد قتلان لـ”البعث” أن الديوكسينات هي نواتج كيماوية عن احتراق الغابات والتعرض لبعض التفاعلات الكيماوية ونواتج سمية المصانع أو حرق بعض الأشياء، وهي مركبات عضوية ذات درجة عالية من الثبات يؤدي تواجد كميات قليلة منها بالأغذية أو بالبيئة إلى مخاطر صحية، مشدداً على مبادىء الوقاية ومراقبة الحرق والفحوص الدورية للمتعرضين، ومراقبة الأغذية وسلامتها، وإجراءات توعوية للمجتمع والعمال، إضافة إلى ضبط الغازات المنبعثة من الحرق غير المراقب، والتوعية البيئية والمهنية.