حرب النفط ورهانات ابن سلمان
لم تكن المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام السعودي النفط كسلاح، وربما لن تكون الأخيرة، لتحقيق مآرب وأهداف من يحميه ويحافظ على وجود آل سعود في الحكم، أي الولايات المتحدة الأمريكية، طوال العقود الماضية، ولكن هل حرب النفط هي فقط ضد الدول التي تعتمد بشكل رئيسي على النفط في موازناتها، أم أن هناك دولاً أخرى مستهدفة، وهل القرار الجديد بالفعل صادر عن ابن سلمان وحده دون التشاور مع واشنطن، وكيف ستتعامل الرياض نفسها مع الانهيار الكبير في أسعار النفط، وهل قادرة على تجاوز تبعاته أم لا؟. ماذا عن وباء كورونا، وما سر العلاقة بين الحدثين؟!.
منذ توقيع اتفاق كوينسي بين عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عام 1945، والنفط السعودي بات أداة بيد واشنطن بموجب الاتفاقية “النفط مقابل الحماية”، أي لا يملك حكام الرياض إلا تنفيذ الأوامر من زيادة الإنتاج أو تخفيضه، ولعل ما حصل في بداية الأزمة الأوكرانية في عام 2014 ما يؤكّد ذلك، حيث تم استخدام النفط كوسيلة ضغط بوجه الاتحاد الروسي على وجه الخصوص لدفعه إلى التراجع عن مواقفه والقبول بالأمر الواقع الذي أرادت واشنطن فرضه في أوكرانيا، ولكن موسكو تجاوزت الصدمة، واستطاعت أن تنوّع مواردها الاقتصادية، واليوم أكد الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف تعليقاً على ما يجري في الأسواق أن “جميع الدول في القارب نفسه”، وبالتالي فالقول بأن الهجوم موجه ضد روسيا غير مجدٍ حتى الآن، إذاً من المستهدف من وراء هذا التصعيد، هل له علاقة بما يشاع عن محاولات أمريكية لتجفيف الدولار حول العالم للحفاظ على قبضتها الاقتصادية؟.
خلال الفترة الماضية شهدت السعودية أحداثاً متلاحقة، كلها تدور حول شخص ولي عهد النظام محمد بن سلمان، ومحاولاته الحثيثة لإزاحة والده والجلوس مكانه على كرسي الحكم، ومنها اعتقال عدد من الأمراء الكبار في العائلة الحاكمة، ضمن سياسة القمع التي ينتهجها، وقراره بخفض أسعار النفط، كونه جاء دون التشاور مع وزير الطاقة، والذي هو أخوه، دون دراسة تبعاته على الاقتصاد السعودي الذي يعاني من عجز كبير، وبالتالي وفي ضوء الانخفاض الحاصل على أسعار برميل النفط، ممكن أن يتطوّر العجز ليصل إلى أرقام قياسية، 140 مليار دولار عجز، كما يتوقّع مراقبون.
وعليه يمكن القول: إن ما يقوم به ابن سلمان حالياً لا ينفك عن رغبته الجامحة بتسلّم مقاليد حكم مملكة الرمال، وبالتحديد قبل انعقاد قمة العشرين التي تحتضنها الرياض هذا العام، ولذلك أراد أن يقدّم نفسه للعالم بأنه قادر على التأثير على الدول الكبرى، الحليفة أو التي تناصبه العداء، وأن مصير اقتصاداتها بين يديه، فإما القبول به كزعيم أو الاستمرار في مغامرته. ولكن ماذا عن الدول الكبرى، هل تقبل أن يكون مصيرها بين يدي مجرم حرب أو تسلّم بمغامرات الأمير الجامح؟.
لاشك أن انهيار أسعار النفط له تداعيات كبرى على الاقتصاد العالمي، ولاسيما أنه جاء متزامناً مع الانتشار السريع لوباء كورونا، والذي فعل فعلته في الأسواق الدولية، ولكن تبقى سياسات الدول، والحفاظ على اقتصاداتها، أكبر من رغبة أمير طائش حالم بكرسي الحكم، أو محاولات رئيس مجنون يريد كسب المزيد من الأصوات في الانتخابات المقبلة، فهل نسمع قريباً دعوات لفتح ملف العدوان السعودي على اليمن، تمهيداً لتقديمه أمام المحاكم الدولية، أم يكون للدول الصاعدة كلام آخر، ولعل في اتهام بكين المبطن أمس للجيش الأمريكي بأنه مسؤول عن إدخال كورونا إلى الصين دلالات كبرى.
سنان حسن