التنمر على أدب الطفل وفنه
يُعرّف اصطلاحاً على أنه شكل من أشكال الاعتداء اللفظي أو الجسدي أو العاطفي من قبل فرد أو مجموعة تجاه فرد أو مجموعة أضعف منهم، كنت أسمع وأقرأ وأطالع مثل الجميع ممن حولي عن هذه الظاهرة وعن خطورتها، وعن الحالات الإنسانية المؤسفة التي يعايشها الأطفال المتعرضون للتنمر، لكن دائماً ما تحفر التجربة العملية في وجداننا بشكل أكبر ومغاير لكل النظريات والمشاهدات البعيدة.
طفل لجأ لكتابة رسائل عديدة وطويلة وضع فيها كل آلامه وآماله بآخر ما يمكن تخيله، بشخصية خيالية كارتونية هي شخصية (أبو حمدو) الذي أرسمه كبطلٍ لمغامراتٍ متسلسلة في مجلة أسامة، فراح يبثه همومه ويطلب منه النجدة والعون ويستجديه مد يد المساعدة في التخلص من إيذاء أطفال بعينهم، وقد كتب أسماءهم بكل وضوح وبطريقة يضغط فيها على القلم بقوة فوق حروف الأسماء ليظهر للمتلقي جلياً كمية التعب والمعاناة التي تشكلها في خلده تلك الحروف، ويشرح كيف يسببون له الأذية في المدرسة ويتخذونه هزواً وسخرية بين أقرانهم ومثالاً للتندر والضحك، ويصل بهم الأمر أحياناً لإيذائه برمي حقيبته وكتبه أرضاً.
الشاهد هنا في مثالي هذا هو ذلك المزج المتداخل بين التنمر الذي يتعرض له هذا الطفل وبين لجوئه لشخصية كرتونية خيالية، وأياً كانت تلك الشخصية فهي شخصية من ورق وألوان ومن نسج الخيال، وهو أكثر مني يدرك أن (أبو حمدو) ماهو إلا شخصية كارتونية لا تغني ولا تسمن. لكن مهلاً لماذا أطلق أو نطلق حكماً مسبقاً عما يشعر به هذا الطفل؟ بل لنقل أظن أنها في مخيلة هذا الفتى تغنيه وتعوضه عما فقده من محيطه من الإحساس بالثقة وبالأمان، لنفكر ملياً كيف هي نظرة أطفالنا المحيطين بنا للأمان والرعاية والاهتمام، فلنسأل أنفسنا: ما الذي فقده مجتمعنا وفقدناه كبشر أسوياء من رعاة أمور الطلاب والأهل والمربين والمدرسين والكتاب والفنانين، ليستبدلنا هذا الطفل (كلّنا) بشخصية كرتونية.
أين دور المدرسة كمؤسسة تربوية وتعليمية في تحصين أبنائها من هكذا تجارب سيئة ومؤثرة وفاعلة في نفسية أطفالنا؟ أين دور أدب الطفل وفنه في معالجة هكذا قضية بالغة الخطورة؟ كم من منتج محلي بصيغة ونفَسٍ سوريّ في الإنتاج أدباً وفناً عالج هذه الظاهرة البشعة؟
والدة الطفل -وهي زميلة عزيزة لي- لما نقلت لي رسائل ابنها انتابني شعور غريب من الضعف وانعدام الحيلة أمام هذا الأمر، ولما طلبت مني أن نكتب ونرسم قصصاً حول هذه المشكلة، جاء الجواب بطريقة كاريكاتورية (مضحكة مبكية): إن فن الطفل في سورية هو نفسه طفل صغير يتعرض للتنمر ياسيدتي.
-تنمر من فقدان الدراسات (الأكاديمية) المختصة في أدب وفن الطفل.
-تنمر من الذين يمسكون القلم والريشة ويختطون ما يشتهون وهم بزعمهم ينتجون أدباً أو فناً للطفل.
-تنمر من ضياع بوصلة الناشرين في القطاعين العام والخاص حول أهمية إيجاد بنك فعليّ للأهداف بشكل سنوي يراعي كل متطلبات المرحلة الراهنة والمستقبلية ويطرح دائماً على طاولة البحث والنقاش هذه القضايا لتكون في فكر وبحث كل كاتب وفنان يتصدر مشهد ثقافة الطفل.
-تنمر من إلقائنا التهم على الغزو الثقافي الخارجي الذي ولّد لدى أطفالنا الرغبة في العنف والتنمر على الضعيف واستبدال لغة العقل بلغة القبضة.
برأيي: إن الطفلين المتنمِّر والمتنمَّر عليه هما ضحية إهمالنا، لأننا لم نصنع لهم ثقافة توعوية حقيقية هادفة تفهم كلّ منهما لغة التواصل الحقيقية كما تربينا نحن من جيل حقيقي من المربين والمعلمين والكتاب والفنانين. يوم فهمنا أن الاختلاف تكامل لا تنافر، يوم فهمنا أن الضعيف منا بحاجة لمد يد العون لا أن نملأه رعباً وخوفاً من قوتنا… ولك أن تعدد ما شئت من قيم بتنا نحنّ لوجودها في تربيتنا المعاصرة لأبنائنا وبناتنا.
تفاصيل دقيقة في مجتمعنا تركناها ثقوباً صغيرة يتسلل منها هذا الخرق الكبير لقيمنا ومبادئنا، والدعوة مرة أخرى متجددة ومفتوحة للبحث بجدية عن ثقافة حقيقية واعية رشيدة لطفلنا السوري، على مستوى الكتابات والقصائد والحكايات ومنها لتنتقل إلى مستوى الرسوم والإخراج، لنخرج بمنتج وطني سوري جميل كما يليق بالسادة السوريين الصغار.
رامز حاج حسين