“العودة” تفوق إخراج مشهد الجريمة على الحبكة
شهد مسلسل العودة الذي انتهى عرضه منذ أيام قليلة متابعة كبيرة وشدّ انتباه المشاهدين إلى الدراما اللبنانية، إذ تميّز مساره الدرامي بإيقاع مختلف أشبه بتصاعد السلم الموسيقي للأحداث الشائقة ولعنصر الدهشة التي رافقت خط سير الجرائم المتكررة، إذ يُبنى العمل على أحداث اجتماعية تتشعب لتصل إلى الوقوع بجريمة غير مخطط لها، لتعود من جديد بعد سبع سنوات وتتفرع عنها جرائم عدة. وقد ساهم بتألق الدراما اللبنانية وحضورها القوي بالمشهد الدرامي حالياً، لاسيما أن المشاهد العربي اعتاد على الرتم البطيء للدراما اللبنانية التي عملت على التشاركية مع النجوم والمخرجين السوريين بأعمال مشتركة حققت نجاحاً لافتاً.
يعود نجاح عمل العودة إلى براعة المخرج إيلي السمعان الذي قدم أفلاماً عدة مما جعله يتقن فن الإثارة والتشويق واللعب على أوتار شدّ المشاهد إلى الحدث المنتظر، بما امتلكه من خبرة بالإخراج السينمائي الذي وظّفه بالدراما التلفزيونية. ومنذ المشاهد الأولى يبدأ الغموض الشائق الذي يثير الأسئلة فمن مجلس العزاء بوفاة صديقة نسيم حجار بطلة العمل –دانييلا رحمة- التي اعتقد الجميع أنها انتحرت تبدأ القصة بفتح ملف الجريمة القديمة من قبل المجرم وتتالي الجرائم، ليتوازى هذا الخط الإجرامي مع البعد العاطفي الخفي الذي يشد المحقق –نيقولا معوض- كريم إلى نسيم ويجعله يتابعها لينقذها في المشهد الأخير حينما نكتشف شخصية المجرم غير المتوقع لبراعة المخرج بإثارة شكوك المشاهد التي طالت في مواقف نسيم ذاتها. وترتبط مجريات العمل بعنوانه فالعودة تمثل عودة البطلة نسيم من استراليا بعد سفرها المفاجئ طيلة سبع سنوات متتالية إلى لبنان إثر اصطدام والدها- أسعد رشدان- رئيس البلدية بسيارة بحادث غامض يودي به في غيبوبة، ليكون هذا الحادث انطلاق سلسلة الجرائم المرتبطة بمفتاح الجريمة القديمة، التي ارتكبتها نسيم دون قصد أو تخطيط وإنما بدافع الدفاع عن صديقتها التي تعرضت لاغتصاب الأستاذ النرجسي الذي ارتبط مع نسيم بصداقة وعرّفته على صديقاتها الأربع، وبعد قتله بآلة حادة على رأسه على مرآى من صديقاتها تقرر دفنه في أرض خاصة بالبلدية، فتدفنه بمساعدة صديقاتها ثم يتوصلن إلى قرار إنهاء التواصل بينهن لتبقى الجريمة بالخفاء، إلا أن نسيم تنهار وتعترف لوالدها فيقرر أن تسافر إلى استراليا ويتضح فيما بعد أنه نقل الجثمان من القبر إلى مكان آخر لأنه لم يعد يستطيع رفض المشروعات المقدمة إلى البلدية لتنفيذ المشروعات عليها. وينجح المخرج بإيجاد أجواء مخيفة ترتبط بالفلاش باك الذي كان له دور كبير بتفسير الأحداث وسردها المتتابع بتخيّل نسيم المشهد المتكرر لحظة دخولها مع صديقاتها عبر الممر الطويل إلى موقع الجريمة الأولى، باستحضار الشخصيات بطريقة مربكة ومخيفة، ويبدو ذلك بالمؤتمر الصحفي الذي أقامته نسيم للإجابة عن أسئلة الصحفيين بعد نجاح روايتها الموقعة باسمها التي كتبها الأستاذ وتحويلها إلى فيلم سينمائي، فتتخيل إحدى الصحفيات تسألها عن مسؤوليتها إزاء قتل صديقاتها اللواتي قتلن الواحدة تلو الأخرى، لتتراءى لها صورة الأستاذ المجرم الأول الذي قتلته، وتنسحب من المؤتمر ليكون المحقق الذي يحميها معها.
الأمر اللافت هو تنفيذ الجرائم بشكل يقنع الجميع بأن الوفاة طبيعية فالجريمة الأولى تمت نتيجة انتحار لإصابة منى باكتئاب، والجريمة الثانية نتيجة اختناق بنوبة ربو، والثالثة تناول جرعة زائدة من المخدرات، والرابعة نتيجة ماس كهربائي، ويشد الإخراج المثير المتكامل مع المؤثرات الصوتية والموسيقا المشاهد إلى مشهد تنفيذ الجريمة الذي بدا بسياق درامي مختلف، إذ يركز المخرج الكاميرا على الضحية التي تشعر بالخوف خلال لحظات وعلى الهدوء المحيط بالمكان دون إظهار تفاصيل الجريمة إلا بومضات خاطفة. ويترك المجرم نسيم الضحية الأخيرة للنهاية حينما نكتشف أنه طارق – وسام فارس-صديق نسيم الذي دخل حياتها بالمصادفة وجعلها تتوهم أنها تحبه بينما كان يراقبها بدقة ويعرف مكان صديقاتها وتفصيلات حياتهن وينفذ الجريمة، ويعترف لنسيم في المشهد المخيف المعتم أنه ابن الأستاذ الذي قتلته حينما يحاول رميها بقبره، لكن رصاصة المحقق الذي وقع بغرام نسيم تكون سباقة وتنقذها في لحظة شائقة.
انتهى عرض العمل، وبقيت الأسئلة مفتوحة تدل على ضعف المعالجة الدرامية التي تفوق عليها الإخراج، ورغم ذلك يعد مسلسل العودة علامة فارقة في الدراما اللبنانية ودراما الجريمة.
ملده شويكاني