سعدي الشيرازي
محمد راتب الحلاق
قال المرحوم الدكتور عبد الكريم اليافي مرة: (شعراء فارس الكبار ثلاثة: سعدي الشيرازي في الغزل، والفردوسي في القصص، وأنوري في القصيد). وهؤلاء الثلاثة وسواهم من شعراء الفرس ومفكريهم وفنانيهم ينتمون إلى الحضارة العربية الإسلامية، وإلى قيمها الثقافية والفنية، ولا يستطيع أن ينكر ذلك إلا جاحد أو جاهل، تشهد على ذلك أعمالهم ونصوصهم نفسها، وإن كان مما يميزها أن معظمها قد كتب باللغة الفارسية، وكلها كتبت بالحروف العربية، بعد أن اغتنت تلك اللغة بكثير من المفردات وأنماط التعبير والأوزان والموضوعات الشعرية العربية، وإن حملت النصوص الشعرية الفارسية نكهة خاصة، مستمدة من روحانيات ما وراء النهر، التي مهدت للتصوف والعرفان الإسلامي، ولا أقول للفكر الغنوصي كما ذهب إلى ذلك د. محمد عابد الجابري؟!. ويعد (سعدي الشيرازي) أحد الشعراء المتصوفة، أو إن شاء القارئ أحد المتصوفة الشعراء. اسمه (مشرف بن مصلح)، وسعدي توقيعه واسم الشهرة الذي عرف به، وربما كان ذلك اعترافاً منه بفضل أمير شيراز الذي رعاه وكفله بعد موت أبيه، أما الشيرازي فنسبة إلى موطنه ومسقط رأسه.
وقد عاش (سعدي الشيرازي) في القرن السابع الهجري، الذي كان يضج بالفتن الداخلية، وصراعات السلاطين ومؤامراتهم وخلافاتهم، كما كان الشرق العربي والإسلامي يتعرض للعدوان الخارجي، ولاسيما غزو التتار والمغول، وغزو الفرنجة (الصليبيين)، حتى ظن قوم، ممن في قلوبهم مرض، أن عرب الشرق تحتضر، وتوشك إن تموت وتلفظ أنفاسها الأخيرة (وما أشبه الليلة بالبارحة)؟!!. ومع أن (سعدي) قد اختار حياة المتصوفة الدراويش، إلا أنه لم يكن منقطعاً عن المشاركة في الحياة العامة، فجاهد ضد التتار في الهند، وضد الفرنجة في بلاد الشام، وقد أسره الفرنجة فافتداه أحد الشاميين بعشرة دنانير، وزوجه ابنته؟!.
ولسعدي الشيرازي ثلاثة وعشرون كتاباً، من أشهرها (كلستان)، أو روضة الورد، أو البستان. وفيه خلاصة مذهبه في الحياة، القائم على الفضيلة، والسلوك العملي، وحب الإنسان، بغض النظر عن أصله وفصله ومعتقده. وإنسانية (سعدي) تضعه بين عظماء شعراء العالم في العصور كافة. وهو صاحب العبارات التي اتخذتها (عصبة الأمم) غداة الحرب العالمية الأولى شعاراً لها، وتقول هذه العبارات: “بنو آدم جسد واحد، من عنصر واحد، فإذا تألم منه عضو أرقت له سائر الأعضاء، ومن لم يؤلمه ألم غيره فليس جديراً أن ينسب إلى آدم”. ولعل في هذه الكلمات ما يؤكد قولي في مطلع هذه المقالة حول انتماء شعراء الفرس ومفكريهم إلى قيم الحضارة العربية الإسلامية، فكلماته ترجمة حرفية لبعض الأحاديث الشريفة.
والباحث المتتبع لحياة (سعدي) سيلاحظ أن أربعة أهواء قد استبدت به وهي: هوى السياحة والتنقل والسفر. وهوى حب الفن، وحب الجمال البسيط القريب من النفس البعيد عن الخيال الجامح، وقد تميز تعبيره عن هذا الجمال بالبساطة والرشاقة وحلاوة الأداء. أما الهوى الثالث فميله الجارف إلى التصوف، وتصوفه عملي وليس تنظيرياً، فقد كان طالب فضيلة وتقوى أكثر مما كان طالب أحوال وكشوفات. والهوى الرابع الذي استبد به هو هوى الإصلاح، ومساعدة الآخرين في إنجاز حاجاتهم الدنيوية، ورد المظالم عنهم، بما له من جاه وحظوة عند أصحاب الثروة والسلطة.
ومن شعره في (كلستان) هذا البيت:
ما إن يدوم أخو ظلم فنغبطه
لكن تدوم عليه لعنة الأبد