“أمريكا أولاً” أم “السعودية أولاً”
جعل ترامب من نظام الرياض إحدى محطاته في أول رحلة خارجية له كرئيس، ومذ ذاك الحين، وهو يدافع باستماتة عن ملك النظام السعودي في عدد من نزواته الدنيئة، من الحرب الكارثية في اليمن إلى اغتيال الصحفيين ودعم الإرهاب في سورية والعراق، وغيرهما من البلدان.
وكانت سياسة “السعودية أولاً”، إحدى ركائز سياسة ترامب الخارجية، وأعظم إخفاقاته منذ توليه المنصب، إذ داهن كل الرؤساء الأمريكيين ملوك آل سعود بدرجة أو بأخرى، إلا أن ترامب تميّز بأنه الرئيس الأكثر خنوعاً والأكثر تساهلاً، وبالرغم من أنه منح آل سعود وولي عهد النظام كل الدعم والغطاء الدبلوماسي، لم يتلق شيئاً في المقابل، وبذلك مكّن مجرمي الحرب في الرياض من البقاء لثلاث سنين، ولم يكسب إلا العار والخزي، ذبح التحالف السعودي اليمنيين الأبرياء لسنوات بأسلحة أمريكية، وأحبط ترامب جهود الكونغرس لإيقاف الدعم الأمريكي للحرب، فالتف حول قرارات الكونغرس لمواصلة بيع الأسلحة للنظام السعودي، وبمجرد أن ظهرت تفاصيل تدين بن سلمان لجريمة اغتيال خاشقجي، تدخّل ترامب وبومبيو للتغطية عليه، حتى إن حكومة آل سعود لم تستطع الدفاع عن أراضيها، فأثبتت أنْ لا فائدة ولا خير فيها، لذا وضع ترامب قوات أمريكية هناك كدرع يحمي طغاة السعودية من مزيد من الهجمات، وليس هنالك دولة استفادت من دعم الولايات المتحدة أكثر من مملكة آل سعود، وها هو ترامب يعمل عمل مارد المصباح في تنفيذه مطالب آل سعود، مع أنه الشخص نفسه الذي كان ينتحب ويتذمر باستمرار بسبب بلدان أخرى سلبت أمريكا.
وخلصت حكومة آل سعود “المدللة” إلى أن بإمكانها فعل ما تشاء، وتهوى دون أن تخشى تداعيات نزواتها، وخلص بن سلمان إلى أن بإمكانه النجاة بجلده من أي عقاب طالما ترامب يتربع على عرش الولايات المتحدة، وفي آخر مقامرة له، هدد ولي العهد صناعة النفط الأمريكية بخفض أسعار النفط، ولم يقل ترامب أو يفعل شيئاً، فحرب النفط التي تقودها مملكة آل سعود تضر مصالح الولايات المتحدة أكثر من أي دولة أخرى، ولا يزال ترامب رافضاً قطع الدعم لنظام مجرم لا يمكن اعتباره حليفاً لأحد، باستثناء الكيان الصهيوني.
فهل يراهن ترامب على بن سلمان، بالرغم من أن هذا الطاغية طائش وغير كفء، وقراره بشن حرب نفطية ليس لحكومته قدرة على تحمّل تكاليفها هو دليل دامغ على ذلك، وقالت صحيفة وول ستريت عن الخطوة السعودية: “مرة أخرى، لم يتزحزح الروس، ويقول أحد مندوبي منظمة أوبك مطلع على المسألة: ليس لديّ أدنى فكرة كيف يعتقد السعوديون أن هذا النوع من الضغط سيعمل على بوتين، إنه سلوك انتحاري ولن يؤدي إلا لنتائج كارثية.
اعتاد بن سلمان على اعتماد السياسات الانتحارية والكارثية، ولا يمكنه إخفاء جهله ببقية العالم، فهذا ما تنم عنه كل أفعاله وتصرفاته، ومن المنطقي أن ينجذب ترامب لطاغية آخر لا يعلم ما يفعله، وهذا يعني أنه يضع مصالح السعودية فوق مصالح بلده.
علاء العطار