من منظور “الفاعلية”؟!
تكثُر الاحتمالات داخل الشارع حول مستقبل مؤسسات المجتمع الأهلي (المدني)، وتتكاثر الهواجس في مكاتب بعضها التي تحاول جاهدة البقاء واستعادة مكاسبها، ولكن كل المعطيات تشير إلى أن البقاء سيكون للمنظمة الأقوى والأكثر حضوراً والتصاقاً بقواعدها، وطبعاً المقارنة بين الهيئات النقابية العاملة على ساحة المجتمع السوري بكل تصنيفاتها وتقييم حضورها لن يكون أمراً صعباً. فبعد أكثر من تسع سنوات من الحرب المدمّرة لا يمكن تكذيب الحقائق التي جسّدها العمال مثلاً وتنظيمهم النقابي بمواصلة العمل والإنتاج، لتوفير مقومات الصمود وتأمين مستلزمات الحياة بكل أصنافها، هذا فضلاً عن الكثير من الخطوات التي تمّت ضمن خطط وبرامج المنظمة العمالية التي عملت ممثلة بالاتحاد العام لنقابات العمال على تحقيق المزيد من المكتسبات، وتقديم كل ما من شأنه تدعيم الصمود ولسنا هنا بصدد تعدادها.
لاشك في أن إطفاء الاتحاد العام لنقابات العمال شمعة ميلاده الثانية والثمانين يستدعي استذكار واقع هذه المنظمة العمالية التي اتكأ العمال لعقود طويلة على فاعلية حضورها، وما زالت بما تمثله من حاضنة للقوى العاملة والإنتاجية ومؤسسة نقابية تؤتمن على الكثير من المسؤوليات والمطالب العمالية، إلى جانب دورها كشريك حقيقي وفعّال في صنع القرار الوطني، وكل ما من شأنه خدمة المجتمع السوري ومراقبة الواقع الحياتي للناس، وتقديم الحلول التي من شأنها المساهمة في معالجة الكثير من القضايا العالقة والتعامل مع تداعيات الحصار الاقتصادي بنهج الاعتماد على ما هو موجود فعلاً على أرض الواقع وتفعيل العمل والأداء النقابي والإنتاجي ومعالجة واقع المؤسسات والشركات العامة، وذلك حسب الأولويات التي تفرضها جملة من التحديات الكبيرة.
وطبعاً هذا الواقع العمالي النقابي ليس مقياساً ثابتاً لجهة أداء المنظمات النقابية الشعبية بمختلف تسمياتها، ولكنه بكل تأكيد سيكون معياراً لكشف الحقيقة الناطقة بالواقع الفعلي للعديد من المنظمات التي تحوّلت إلى هياكل كرتونية تستنزف موارد مالية لا يستهان بها دون أن يكون لها أي بصمة واضحة في حياة من تمثلهم، وهذا ما يعزّز نظرة الشارع السوري حول حضورها الصوري وأنها باتت عبئاً ثقيلاً إن بقيت بعيدة أو محيّدة عن سكة الإصلاح وإعادة النظر في وجودها.
وبالعودة إلى المنظمة العمالية النقابية التي امتلكت مقوّمات تقدّمها على الصعيد المحلي والعربي الدولي، وما يهمّنا أكثر أنها نجحت إلى حدّ ما في الاحتفاظ بمكانة متقدمة لها خاصة مع امتلاكها أجندة عمل واضحة ودوراً وحضوراً قويّاً في المجتمع السوري، وبالطبع الحديث هنا لا يأتي في سياق التجميل أو المحاباة، فالوقائع موجودة لكل من يريد رؤيتها من منظور العمل الحقيقي والواقعية وليس من باب الاستهداف.
وباختصار شديد نقول: إننا نتلمس مرحلة تحوّل جديدة في تقييم عمل العديد من الهياكل الاتحادية التي أخرجها الصدأ والتكلس من ساحة العمل، وخاصة أن الاستحقاقات القادمة تتطلّب أكثر من الإصلاحات الخلبية، وبناءً على ذلك لابد من العمل على توحيد جميع مشاريع المجتمع المدني بمنظماته المختلفة في مؤسسة واحدة وضمن مشروع وطني شامل تتبلور معه معالم المطلوب من المؤسسات البديلة، وذلك على قاعدة الفاعلية والقبول المجتمعي لها.
بشير فرزان