“رسالة من امرأة مجهولة” صورة من صور الأمومة
شهيرات السينما الكلاسيكية وقفن أمام فريد الأطرش في أفلامه مثل فاتن حمامة ومريم فخر الدين ومديحة يسري وفاتن حمامة، إضافة إلى صباح وشادية وسامية جمال التي قدم معها أجمل أفلامه، فشكّل عبْر عقود الزمن الجميل ظاهرة سينمائية بُنيت على الفيلم الاستعراضي الذي وظّف فيه أغنياته وألحانه التي طوّر فيها الموسيقا الشرقية، وتميزت بتنوع المضامين ضمن حكايات تراجيدية في أغلبها، في حين اقترب بعضها من الكوميديا.
وقد أضاف إحساسه المرهف بتجسيده تفاصيل الشخصية التي تتعرض لمعاناة وخيبات نجاحاً إلى أفلامه، فلم يكن ممثلاً أقل مما كان عليه بالغناء والتلحين والعزف.
إلا أن وقوفه أمام لبنى عبد العزيز ذات الجمال الهادئ الرومانسي في فيلم “رسالة من امرأة مجهولة” المقتبس عن رواية الكاتب استيفان زيفايج وسيناريو فتحي زكي وإخراج صلاح أبو سيف، مختلف إذ يسرد صورة من صور الأمومة ضمن قصة الحب التي بدأت من طرف أمل- لبنى عبد العزيز- حينما وقعت بغرام المطرب المشهور سامح البطل –فريد الأطرش- الذي يعيش حياة اللهو والمجون وكانت مثل كثيرات بالنسبة إليه، وبعد سلسلة من اللقاءات بينهما ترتبط معه بعلاقة غير شرعية، فتصمم على الحفاظ على جنينها دون أن تخبر سامح حتى لا يعتقد أنها تستغله وتجبره على الاعتراف بها.
بعيداً عن مجريات قصة الفيلم الطويلة التي مضت بالفلاش باك مع قراءة سامح الرسالة التي تعترف بها بابنه وترجوه أن ينقذه في المشفى، تستوقفنا صورة الأم التي جسدتها لبنى عبد العزيز بجرأة والتي خرجت عن إطار صورة الأم -النمطية التي تكررت في سينما الزمن الجميل، أو صورة الأم المقهورة والمظلومة التي تجبرها الأوضاع المحيطة بها، أو يجبرها الزوج على الابتعاد والتخلي عن ابنها لتبقى أسيرة النداء الخفي الذي يربطها به فتتابعه وفق الأحداث.
يقدم فيلم “رسالة من امرأة مجهولة” الأم القوية التي دفعها ارتباطها الحميمي المقدس إلى الحفاظ على طفلها دون زواج شرعي وقانوني ودون وجود أب يربي ابنه، فتقرر مواجهة المجتمع وتتصدى لكل الأسئلة المحرجة رغم إعلانها الزواج بعد أن ابتعدت طيلة فترة الحمل لتحمي نفسها، وتصمم على تربية ابنها بالعمل المكثف من أجله، وترفض الارتباط الثاني والزواج من رجل آخر. ومهما حاولت السينما مقاربة صورة الأم والمشاعر التي تكنها لابنها بكل الحالات والأزمنة والاختلافات والانعكاسات تبقى باهتة إزاء الحقيقة المقدسة للأمومة.
ملده شويكاني