في اليــوم العالمـي للشـــعر بعيــــداً عــن المنبــــر والمســـرح
“خذ القمر/واجعله يحكي/وأطلق عنان روحك/واجعلها تمشي/وارسم لوحة لما بيديك/وامض إلى بيتك”
بهذا المقطع من قصيدة (طلب القمر ) للشاعر الكندي واين كيون افتتحت أودري أزولاي المديرة العامة لليونيسكو كلمتها السنوية بمناسبة اليوم العالمي للشعر الذي اعتمد في عام 1999 أن يكون عيداً سنوياً للشعر, تزامناً مع أعياد الأم والربيع وعودة الطبيعة إلى خضرتها الطبيعية مطلع كل عام.
و كان من بين الأهداف المنشودة لهذا اليوم العالمي, دعم التنوع اللغوي وإتاحة الفرصة للغات المهددة بالاندثار بأن يستمع لها في مجتمعاتها المحلية, والعودة إلى التقاليد الشفوية للأماسي الشعرية, وإحياء الحوار بين الشعر والفنون الأخرى, ورسم صورة جذابة للشعر في وسائل الإعلام.
اليوم وضمن الظروف التي تمر بها البلاد, نحتفل بالشعر على طريقة القراءة الصامتة والعودة إلى رفوف مكتباتنا المنزلية, بعد أن فرضت جائحة الكورونا الإقامة شبه الجبرية كواقع جديد لم تألفه الحياة السورية وحتى ضمن أصعب ظروف الحرب التي مرت على البلاد، ليكون الاحتفاء والاحتفال افرادياً دون التواصل مع الشعراء عبر المنابر والأماسي والمهرجانات التي كانت مقررة ضمن نشاطات وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب وبعض التجمعات الثقافية والأدبية, ولتكون هذه العزلة مع الشعر دون جمهور أو تصفيق, وصفاء حال وعودة إلى القراءات الأولى والمخطوطات الشعرية التي كانت الأرض الخصبة لكل المدونات التي صدحت بها حناجر الشعراء عبر امتدادات الزمن والأيام. يقول الشاعر والناقد محمود نقشو بهذه المناسبة:
الاحتفال بالشعر إنصات للصوت الهامس للإنسان، لصوت دواخله، الصوت الذي كلّما علا وصدح صدحت معه مشاعر المحبّة والسلام، فهو الصوت الداعي باستمرار إلى إنسانيّة الإنسان. والاحتفال هذا تذكير بحاجة ماسّة للشعر الآن، بالنظر لما نشهده من أحداث هنا وهناك وهنالك في العالم. وتتعاظم الحاجة إلى الشعر من أجل أن يحيا الإنسان بسلام على هذه الأرض؛ والشاعر هنا ينثر كثيراً من ورود الشعر والمحبة والسلام لتتفتّح وتزهر أكثر في هذه المناسبة.. تماماً كما فعل أسلافه من الشعراء منذ (هوميروس) و(طرفة بن العبد) و(لوركا) و(نيرودا)؛ والسلالة لم تنقطع ولن تنقطع.. هؤلاء الذين انتصروا لصوت الإنسان؛ لصوت حرّيته وكرامته، فالشعر يجعلنا مقتنعين بأنّ الحياة ممكنة بين الناس، وأن الأصل هو السلام. وإنّ الاحتفال باليوم العالمي للشعر تذكير للإنسان بالغاية من وجوده، والاحتفال لحظة تفكير في كينونته. إنّه لحظة بحجم الكون كي يتدبر الإنسان وجوده، فالشعر تأمّل في صيرورة وسيرورة الكائن في هذا الوجود، ومساءلة لماهيّته، وتوصيف للعلائق التي شيدّتها الذّات مع نفسها ومع الذوات والأشياء، كما أنه وببساطة يمثّل صوت الإنسانيّة في الإنسان؛ صوت خفيّ لا يفارقه، صوت الومض داخله، والذي عليه أن يستنير ويستضيء به إن أراد النجاة.
الشعر هو طوق النجاة ، بعيداً عن الظلاميين والعدميين وزارعي الأحقاد؛ وهو إيماننا بأنّ (على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة) – كما قال درويش-؛ فالاحتفال بالشعر هنا يصير دعوة كي يرى الإنسان نفسه في مرآة وجوده على هذه الأرض التي يقتسمها مع الآخرين. ومن ثمّ على الشعراء أن يصدحوا بالشعر عالياً في هذا اليوم تحديداً، فجذوة الشعر لم ولن تنطفئ، حتّى وإن خبت بين الحين والآخر، إذ الشعر مسار جميل في مسالك الحياة الوعرة، في عالم مليء بالفخاخ.
وإذا كان الشعر عقيدة الشعراء والحالمين والمكتوين بأسئلة الإنسان، فإنّ هذا اليوم هو المناسبة التي تجيب عن سؤال الناس العاديين: هل ثمّة دور اليوم للشعر؟؛ والإجابة: طبعاً، لأنّ الشعر تغيير للعالم عبر تغيير الذات؛ وبخاصّة في عالم تحيط به الكوارث. نعم بحاجة إلى الشعر لأنّنا بحاجة إلى الإفصاح والتعبير، وهو خلاص اللغة من عقالها اليوميّ.
يوم واحد له لا يكفي أمام خراب العالم، ولهذا نحن مدعوّون لجعله لحظةَ تذكير – في كلّ حين- بضرورة الإنصات إلى صوت الشاعر الذي يسكن كلّ إنسان.. والتذكير بالشعراء الذين شكّلوا مخيال الإنسان، وهذّبوا وجدانه، وأضاؤوا كهوفه، ولجموا قليلاً وحشيّته. الشعر يقاوم الصدأ الذي يعلو ذواتنا، فلنكتبه بغية فتح حلقة المغلق فينا، وتلمّس درب يعيد ترتيب تفاصيل حياتنا من جديد (وبعد كل ما تقدم نحتفل اليوم بالشعر ونحن نخوض حرباً لم يشهد لها التاريخ مثيلاً, تفتح باب القريحة على مصراعيه للكتابة والتوثيق وتسليط الضوء على جرائم أعداء الضوء والإنسانية, فكل بطولة يرفعها الشعر هي نتيجة. نمجد انتصارات جيشنا الباسل, ونعلي من صبر الأمهات وجلدهن, ونقدم ملاحم شعرية تكون قدوة لقادم الأجيال في استكمال مسيرة النصر والإبداع. وكل عام وانتم بألف خير
علي فرحان الدندح