سلوك رخيص
مع ازدياد الثقة الدولية ببراءة الصين من مسؤولية انتشار الفيروس كورونا الجديد، والمديح العالمي الذي جنته على إجراءاتها غير المسبوقة في مكافحة الفيروس داخل أراضيها، وفي عديد الدول التي مدّت إليها يد المساعدة، تواصل إدارة الرئيس ترامب التغريد خارج السرب وكيل الاتهامات والإجراءات العدائية تجاه بكين، بدءاً من محاولة اتهامها بالمسؤولية عن انتشاره إلى منع السفر وتقييد حركة الطيران، وصولاً إلى استخدام عبارة لا أخلاقية، وهي تسمية الفيروس بالفيروس الصيني، وليس انتهاءً بفرضية كاذبة تزعم أن الصين نشرت الفيروس داخل أمريكا ودول العالم من خلال مواطنيها، وقد عمدت إدارة ترامب إلى طرد إعلاميين صينيين في هذا الإطار.
إن أقل ما يمكن أن يقال عن هذا السلوك الأمريكي بأنه وضيع ورخيص، ويعكس العنصرية الأمريكية بأوضح صورها، وهو افتراء يتجاهل الجهود الطبية والشفافية الإعلامية والإجراءات الاستثنائية التي بذلتها الصين لاحتواء الوباء والسيطرة عليه، ويتعامى عن المساعدات وكواشف الاختبار والأقنعة والملابس الواقية وبرامج التشخيص ومجموعات الخبراء الطبيين والمواد الطبية التي قدّمتها الصين إلى 82 دولة في العالم، وإلى منظمة الصحة العالمية، وقد سجّلت انتصاراً عظيماً في هذا المجال، أقل ما يقال عنه إنه خفف عن العالم تداعيات كارثية أخطر وأوسع على صحة العالم كله.
ومع أننا تعودنا على هكذا سلوك عدواني وعنصري من الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه الصين، إلا أن سلوك ترامب فاق من سبقه باستخدام عبارات بذيئة وتهريجية لا تتناسب مع مكانته كرئيس دولة عظمى، وبهدف صرف النظر “ربما” عن بعض التقارير الطبية والإعلامية والاستخبارية التي بدأت تؤكّد أن الفيروس لم يبدأ من مدينة ووهان، وإنما دخل إليها، وأن هناك جهة مستفيدة من الموضوع تريد ضرب عجلة الاقتصاد العالمي الذي تقوده الصين، ما يساعد على الخروج بنتيجة ترى أن “الفيروس قد نشأ بفعل فاعل”، وهو أمر غير مستبعد في إطار النمط الجديد من الحروب الناعمة التي بدأ عالمنا يشهدها، بعيداً عن الجيوش التقليدية، ومن خلال وسائل جديدة كالتنظيمات الإرهابية والفيروسات المدمّرة وحروب الانترنت وبدعة النزعات العنصرية.
لكن في الواقع، فإن أبلغ رد على ترامب، ليس في عبارات الشكر التي أطلقها رؤساء دول وحكومات ومنظمة الصحة العالمية على دور الصين في الحفاظ على السلامة والصحة في العالم، وإنما في الرد الشعبي المتمثّل في آلاف مقاطع الفيديو التي انتشرت بكثافة هائلة في العالم، والتي يردد فيها الإيطاليون النشيد الوطني الصيني، وفي مقاطع شكر أخرى في عديد دول العالم، إضافة إلى مقاطع من داخل الصين، كشفت عن جهود وإجراءات جبارة واستثنائية لمكافحة الفيروس، وعكست دور الصين كدولة عظمى تقود العالم وفق مبدأ “الصحة للجميع” و”التنمية العادلة” و”الكل رابح”، على عكس المبدأ الأمريكي الذي يقوم على “الحلم الأمريكي” و”الحروب بالوكالة” و”تدمير العالم”.
إن وصمة انتشار الوباء التي تحاول إدارة ترامب دمغها بالصين هي وصمة عار على ترامب نفسه، وإن أولئك السياسيين الأمريكيين المرضى بعقلية الحرب الباردة البالية والخطيرة، والذين يلجؤون اليوم إلى إحيائها بوسائل جديدة، لن يكتب لها النجاح، مهما زعق ونعق ترامب.
عمر المقداد