في نقض الحاجة إلى رواية الكورونا!
أحمد علي هلال
بعيداً عن اجتياح الأوبئة للإبداع وللأدب وفنونه، يبدو حظ الرواية كان الأوفر في مقاربتها لتلك الأوبئة على اختلاف أزمنتها وأمكنتها، ومنها الرواية العلامة «الحب في زمن الكوليرا» لـ غابرييل غارسيا ماركيز مع فارق بسيط أن الوباء كان خدعة فحسب، ليظل العاشقان «فلورنتينو، فرمينا» اللذان امتطيا سفينة نهرية أطول فترة ممكنة معاً، وهي تحمل علم الوباء فحسب، لإبعاد ركابها الآخرين وعلى الأرجح أن ماركيز قد ذهب إلى هواجسه النبيلة في تخليد الحب، والإيحاء عبر روايته الأشهر بقوة الحب المدهشة، وهو صاحب الرواية الأكثر دهشة «ذاكرة غانياتي الجميلات» تأثراً بالياباني كواباتا صاحب «الجميلات النائمات».
فيما ذهب ألبير كامو إلى جعل الطاعون رمزاً لمقاومة النازية التي استشرت في أوروبا، في رده على رسالة الناقد الفرنسي رولان بارت في قراءة مستويات تلك الرواية، ولعلنا نجد في هذا المجاز السياسي والفكري بآن نزوع تلك الروايات -على الأقل- إلى تعضيد دلالة عابرة للغّات والجغرافيا، ذلك أننا إذا أعدنا قراءة تلك الروايات الآن في «زمن الكورونا» سيبدو من التبسيط المخل الذهاب إلى القول هل نحن بحاجة إلى رواية عن الكورونا؟!.
والحال أن تلك الرواية المحتملة عن الكورونا مازالت كما الفيروس ذاته تحتاج إلى تأمل عميق ليس في الأبعاد السياسية لذلك الفيروس الذي ارتقى إلى درجة الوباء وأوقف العالم على قدم واحدة، بل أكثر من ذلك أن روايات الأوبئة آنذاك ذهبت إلى شيء آخر، هو التبشير بنهاية العالم، وذلك ما يعيد إلى الأذهان وداخل هذا السياق وليس خارجه النزوع القديم الجديد لليوتوبيا وما بعدها، منذ توماس مور وصولاً إلى مجايليه في الفضاءات الثقافية الأخرى.
لكننا ونحن في زمن الكورونا، هذا الزمن المجازي/ الواقعي، سنقرأ تلك المحكيات المختلفة والتي تقوم على الشذرات اليومية واليوميات والأفكار المقارِنة بحكم الارتيابات والشكوك بفناء هذا العالم، أو البحث عن القوة الخفية التي تعمل جاهدة على فنائه، سواء بمعطيات سدنة الخيال العلمي أو الضالعين في المختبرات العلمية وما يتسرب منها «بقصد أو بخطأ محتمل» إلى الخارج، ولنا أن نتأمل أيضاً تلك الفوضى التي عمت العالم وأحالته إلى ما يشبه العزلة الافتراضية، إذن هل لنا أن نذهب إلى محكيات تلك «العزلة» المتصلة والمنفصلة وماذا يدور بخلد من مكثوا في بيوتهم وأمكنتهم، ولعلها ستشكل مع قادم الأيام وبعيداً عن الترف وبمستوياتها الحكائية أرشيف يوميات تؤرخ لصيرورات الهواجس والمكابدات، أو المقتطفات التي عادة ما تمليها سلطة المزاج، خارج ذلك كله لنا أن نتساءل بعيداً عن حمى الأوبئة جميعها، كيف يعمل الأدب وفنونه المختلفة في أزمنة تغير فيها الخيال، لقد أصبح طليقاً بما يكفي أن يتجاوز السير والمحكيات ليصبح الواقع بذاته خيالاً في خيال، وكم من الأعوام ستكفي هذه العزلة لتنجز الرواية المنشودة، ذلك ما يشكل تحدٍ للأدب والفنون، وهذا التحدي الذي يأخذنا إلى ما يشبه اختراع مخيلة جديدة، أبعد في دلالاتها عن أن تكون مجرد «نصب تذكاري» وأبعد ما تكون الذكريات عن وصفها «تمائم»، كما ذهب إلى ذلك بارت.
عصر يوصف بالكثافة والتسارع واندغام المقدمات بنتائجها، كيف لنا أن ننجو… حسب الروايات بمتخيلها من تجيد صوغ الأسئلة الذكية، فهل ما بعد الكورونا ليس كما قبلها؟.