اقتصادصحيفة البعث

قطاعات استفادت وأخرى تضررت.. هل ينجو الاقتصاد الوطني من الـ “كورونا”؟!

 

لا يميل المزاج العام لقطاع الأعمال إلى التأييد المطلق للإجراء الاحترازي القاضي بإبقاء الناس في بيوتهم، تجنباً لأية مخاطر تتعلق بانتشار عدوى فيروس “كورونا”، بالرغم من حرصه على صحة وسلامة المجتمع عموماً، لأن في هذا الإجراء ما فيه من تعطيل للأنشطة الاقتصادية، وتآكل دخول العمالة، وتراجع القوة الشرائية ومعدلات الطلب والاستهلاك، ما يضرّ بالأداء الاقتصادي، حيث سيميل، بشكل طبيعي، إلى حالة من الركود، الذي بات هاجساً يؤرق الاقتصادات المختلفة حول العالم، وهو ما نبّه إليه خبراء اقتصاديون في الأمم المتحدة، متوقعين أن تكلف تداعيات وآثار هذا الفيروس الاقتصاد العالمي أكثر من تريليون دولار، جراء انعدام الثقة بالأسواق المالية، وتعطل الإمدادات، وانخفاض الطلب الاستهلاكي.

الأكثر تضرراً..
“لن أبقى في البيت حتى لو أُصبت بعدوى”.. “لا خيار أمامي سوى كسب المال”.. “إن لم أعمل فلن أستطيع سد احتياجات أسرتي اليومية”.. عبارات يكثر تردادها في أوساط العمال المياومين والمشاهرين وأصحاب المهن الحرة، ومن الواضح أن هذه الفئات ستكون الأكثر تضرراً من البقاء في البيوت، في حال تطبيق الحظر، وعدم تمكنها من مزاولة أعمالها الصغيرة، والتي بالضرورة تحرك الأعمال والقطاعات الكبيرة، ما يجعل من الضرورة بمكان النظر إلى احتياجات ومصالح هذه الفئات عند إقرار أي إجراء احترازي جديد.

مستورداتهم.. صادراتنا
أدّت موجة الهلع ومخاوف انتشار “كورونا” إلى طلب كبير على الحمضيات والعسل والمنتجات الطبية والعطرية، وذلك بالنظر لكونها تدخل ضمن منتجات الوقاية من العدوى وتعزيز مناعة الجسم. ورأى رئيس اتحاد غرف الزراعة المهندس محمد كشتو أن زيادة هذا الطلب ساهمت في تصريف عشرات الآلاف من الأطنان من الحمضيات، ولاسيما البرتقال والليمون، لكن بالمقابل تضرّرت الصادرات، حيث من المتوقع أن ينخفض الطلب على الحمضيات السورية في الأسواق الخارجية، جراء تراجع الاستهلاك، حول العالم، لكثير من السلع، ومنها هذه المنتجات، مبيناً أن الإنتاج الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، قد يتأثر نتيجة ضعف التوريدات للبذور والأسمدة والأدوية والمعدات الزراعية من دول لديها مشكلات في الإنتاج والتصدير، بعد أن تفشى فيها هذا الوباء.

بدائل المستوردات
تعكف الحكومة على دعم برنامج إحلال بدائل المستوردات، والذي يغطي 67 مادة، ما يساهم في تقليص فاتورة الاستيراد للسلع التي يمكن إنتاجها محلياً إلى الحدود الدنيا، ويوفر القطع الأجنبي، ويحقق الاكتفاء الذاتي، ويحدّ من تأثيرات العقوبات الاقتصادية الجائرة على البلاد. ويرى مراقبون أن مشاريع البدائل قد تتأثر، نظراً لاعتمادها على آلات ومعدات مستوردة غالباً.
ويحذّر رجل الأعمال محمد حسام السراج، الذي شرع مؤخراً في تأسيس مشروع لإنتاج حليب الرضع (دون عمر ستة أشهر) ومساحيق أغذية الأطفال، بتكلفة تقديرية تفوق ملياري ليرة سورية، مع توقعات بأن يوفر المشروع أكثر من 100 فرصة عمل مباشرة، إلى جانب الفرص غير المباشرة، يحذر من أن يؤثر تراجع التجارة البينية عالمياً على توريد المعدات وخطوط الإنتاج للمشاريع المشمولة بالبرنامج، علماً أن فاتورة المستوردات من هذه المنتجات تصل إلى 750 ألف طن سنوياً.

حظر تجوال
لا يزال طرح فرض حظر تجوال في الشارع، بهدف حماية الأسر والأفراد من أية عدوى محتملة، يلقي بظلاله على الشارع، لجهة التبعات والآثار الاقتصادية، التي يمكن أن يتركها هذا الحظر على مجمل النشاط الاقتصادي للأفراد والمؤسسات. ويلفت رجل الأعمال باسل عبود إلى مخاطر ذلك، وما يترتب عليه من إغلاق مصارف وشركات، وبالتالي عدم دفع رواتب، وعجز عن تأمين المواد الغذائية والصحية وحوامل الطاقة وغيرها.
وتساءل عبود عن الأعمال اليومية التي يؤديها عمال الصيانة والمرافق والخدمات والبنى التحتية، وما تحتاجه هذه الأعمال من قطع غيار ومواد أولية وتجهيزات ونقل، وكيف يمكن لذلك كله أن يتمّ في ظل الحظر، الذي سيؤدي إلى أن تفرغ الشوارع والأماكن العامة من الناس، ما يشجع عمليات السرقة وكسر الأقفال.
ووفقاً لعبود، سيؤدي مزيد من إغلاق المنشآت والمحال التجارية، نتيجة ضعف الاستهلاك وقلّة الطلب، إلى تسريح العمال، ما يخلق مشكلات اقتصادية واجتماعية لأسر هؤلاء العمال، ومثل هذا السيناريو بدا واضحاً في الدول التي لجأت إلى تطبيق حظر التجوال، وتفيد المؤشرات الأولية، إلى أن العالم خسر حتى الآن نحو 25 مليون وظيفة، كما من المتوقع أن تصل خسارة الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى سبعة تريليونات دولار. لذا من الأفضل في الحالة السورية، التصرف بحذر وبشكل مدروس، وتأمين الغذاء والطاقة، وفتح منافذ بيع إضافية لمنع الازدحام، والمحافظة على النظافة وعمليات التعقيم، إذ من الخطأ الاندفاع كثيراً إلى الإمام في ظل بدء انحسار الوباء في غير دولة ومنها الصين.

متضررون ومستفيدون
وتباين أداء القطاعات الاقتصادية المحلية، خلال الأسابيع القليلة الفائتة، على نحو لافت، وقد كانت السياحة والنقل والخدمات والمصارف والتأمين أبرز المتضررين، فيما استفادت قطاعات أخرى منها.. الصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية ووسائل التعقيم، كذلك محال ومخازن المواد الغذائية، التي باعت كامل مخازينها، حتى أن بعضها باع مواد منتهية الصلاحية، أو قريبة من انتهاء صلاحيتها!.
ويقلّل خبراء اقتصاديون محليون من احتمال تضرّر البلاد من تداعيات “كورونا”، وإن حدث مثل هذا الضرر، فسيكون ضمن حدود ضيّقة، فالعلاقات الاقتصادية الخارجية ما زالت محدودة، وتكاد تتركز بنسبة كبيرة مع شركاء اقتصاديين محدّدين، كما أن السياحة لم تشهد بعد توسعاً كبيراً، في وقت ظل فيه القطاع الزراعي متماسكاً وقوياً، والأمر نفسه تقريباً لقطاع التجارة الداخلية والتجزئة، في موازاة استقرار الطلب ومعدلات الاستهلاك، ما يعني اعتماد البلاد على مواردها الذاتية بشكل كبير، وخاصة فيما يتعلق بالأمن الغذائي.
أحمد العمار
ournamar@yahoo.com