في اليوم العالمي للمسرح.. لأول مرة مسارح العالم أبوابها مغلقة
لأول مرة يحلّ اليوم العالمي للمسرح دون أن يجد من يستقبله، فكل مسارح العالم انطفأت أضواؤها وأغلقت أبوابها وتوقفت عروضها ليكون أكثر الفنون تأثراً بفيروس كورونا كونه الفن الذي يتوجه الجمهور بشكل مباشر ويشاهده الناس بشكل جماعي، ويأسف الفنان المسرحي يوسف المقبل أن يتزامن يوم المسرح العالمي هذا العام مع مليارين من البشر وهم يلزمون بيوتهم تجنباً للإصابة بفايروس خطير لم يمر على البشرية منذ عقود بينما يقف آخرون بالملايين في الشوارع والمختبرات والمستشفيات والمصحات من جيش وقوات أمنية وأطباء وممرضين ونشطاء وصانعي أمل لمساعدة الناس على البقاء أحياء، مع تأكيده على أن الأمل يلوح دائماً لتجاوز هذه الأزمة الحادة والرهان على العقل العلمي الطبي الذي سيكتشف المصل الحقيقي لنجاة البشرية، مبيناً أن الأمل هو المفتاح، ونحن في كل عام نجدد الأمل بالحياة، والمسرح برأيه صانع ماهر لهذا المعنى، مشيراً إلى أنه وفي كل عام نتفاءل ونطمح إلى أن يكون للمسرح دور كبير في النهضة الثقافية وإدانة الحرب والقسوة وفضح الإرهاب والعنف والتصدي له، ومن ثم كيف نعود تدريجياً لأن نجعل من المسرح جزءاً أساسياً من حياة الناس اليومية ومصدراً لمتعتهم وفائدتهم.
ويؤلم المقبل أن المسرحيين سيحتفلون هذا العام في بيوتهم وفي الفضاء الإعلامي ولن يتسنى للمسرحيين في سورية أن يحتفلوا مجتمعين في صالة مسرح الحمراء كما كان مقرراً، والمقبل كان أحد المشاركين في الاحتفال بينما يستنفر الجيش لحماية وطننا من فيروسات أكثر فتكاً، والأطقم الطبية تسهر على سلامتنا مع أمل الخلاص من كل الفيروسات، ولأن المسرح هو الأمل برأيه في تسليط الضوء على كل الظواهر السلبية في مجتمعنا يتمنى أن يتحول إلى ظاهرة اجتماعية لأن المسرح شئنا أم أبينا هو الواجهة الحضارية الحقيقية لسورية.. ويختتم المقبل كلامه قائلاً: “هذا العام سنتخيل من بيوتنا خشبة مسرح الحمراء ونتخيل الجمهور والتصفيق وضحكات من هنا وهناك وتهاني وتبريكات يوم المسرح.. كل هذا سنتخيله.. كل عام والمسرح أمل.. كل عام والمسرح يتعافى”.
المكان الأغلى
يتمنى المخرج مأمون خطيب في هذا اليوم أن تزول هذه المحنة عن الكرة الأرضية التي أثبتت أن الإنسانية والعمل على تقدم وتطور الإنسان علمياً وثقافياً أهم من كل الحروب، وأن تكون العدوى ثقافية والفايروس المعدي هو المحبة والأخلاق، متمنياً للمسرح السوري كل الخير، وللمسرحيين والفنانين كافة كل الصحة للعودة إلى المكان الأغلى على القلب.. المسرح.
مارد جبار
ويسوء الكاتب والمخرج نادر عقاد أن عيد المسرح العالمي يأتي ودور العرض في العالم تئن وتبكي حزناً، كراسٍ تبحث عن جمهور، وجمهور يبحث عن خلاص، وكورونا تهدد العالم، منوهاً إلى أن المسرح في العصور المتعاقبة عانى كثيراً، لكنه كان ينهض دوماً من سباته كمارد جبار يتحدى الألم ليزرع الأمل، مبيناً أن المسرح كان ولا يزال حالة اجتماعية ثقافية طقسية لها دلالاتها ويحمل في طياته هموم وأفراح الشعوب على مر الزمن والعصور، وفي عروضه نبض الحياة وعبق الشخصيات التي ينتزعها من الواقع ويصوغها بخلطة جمالية ممتعة تسر العين وتهز الوجدان، وهو رسالة أخلاقية ترفيهية تمنح المتفرج تطهيراً للشرور وبهجة للنفس، مشيراً إلى أن النص المسرحي يتحول إلى عرض أهم ما يميزه الصدق والإقناع والجمال، الصدق بما يجول في دقائق الشخصيات لتقدم بطريقة مقنعة خالية من التكلف والتصنع وبإعادة صياغة الواقع على خشبة المسرح بشكل جميل وأنيق بعيداً عن الابتذال والسطحية لأن خشبة المسرح برأيه مقدسة ولا تقل أهمية عن أي منبر اجتماعي.. ويختتم عقاد كلامه قائلاً: “يا رجال المسرح، أحبوا المسرح ليحبكم،أعطوه إبداعكم يبدع معكم لتكونوا لجمهوركم عنوان العطاء والجدية والإخلاص، فأنتم تحملون رسالة الفائدة والمتعة، وتذكروا أن الأعمال العظيمة يصنعها فعل عظيم، والفعل العظيم يقتله الإسفاف”.
خشبة مقدسة
أما المخرج المسرحي غسان الدبس فيؤكد أنه في هذا اليوم الذي يجلس فيه المسرحيون في جميع أنحاء العالم في بيوتهم أننا بحاجة لتجديد وصون حالتنا النفسية والجسدية ومحاربة من يتجاهل هذا العالم الجميل، وهو من على خشبة مسرح بيته ينشد خشبة مقدسة تبعث الحيوية والطاقة من أجل عدم سقوط الإنسانية في الهاوية لأن المسرح برأيه منارة تبث المحبة، وهو صرخة الإنسانية والقيم الفنية الإبداعية الجمالية، موجهاً التحية لكل مسرحي يحمل الهم المسرحي.
مزار خاص
والمسرح بالنسبة للفنانة تماضر غانم عشق من نوع خاص وملاذ الحب الحقيقي، وقد علَّمها القوة والصدق لتستطيع أن تواجه الجمهور بطريقة صحيحة، كما منحها الثقة بالنفس وقدرة على تصحيح أخطائها الفنية، وعلَّمها كيف تستخدم أدوات الممثل الصحيحة من فعل وردة فعل، كما جعلها مستمعة جيدة، مؤكدة أن عملها في مسرح العرائس والأطفال أضاف لها الكثير وأن تكون مسؤولة عن كل لفظ وحركة وفعل لأن جمهوره من الأطفال، في حين علمها مسرح العرائس التحدي وكيف تنقل إحساسها كممثلة إلى دمية جامدة لا روح فيها فتحولها إلى كائن يتفاعل معه الطفل، مبينة غانم أن المسرح مزار خاص يمدها بطاقة إيجابية، فما إن تلامس قدماها خشبته حتى تصبح تحت إمرة الشخصية التي يجب أن تجسدها.
تحية للرواد والمؤسسين
يوضح فؤاد عضيمي الذي يعمل في مديرية المسارح منذ السبعينيات في مجال هندسة الصوت أنها المرة الأولى التي لا يُحتفَل بيوم المسرح العالمي باحتفالية تليق بأبي الفنون ولا تشع أضواؤه، فأهل المسرح يحتفلون بالعيد بعيداً عن الخشبة من خلال الصحافة المرئية والمكتوبة والالكترونية فقط، منوهاً إلى أن المسرح محبة وتعاون جماعي وإبداع وجهد بدءاً من الكاتب إلى المخرج والفنانين وحتى أصغر عامل في المسرح، ويؤسفه أن المسرحيين اليوم وبسبب هذه الجائحة التي تسيطر على العالم التزموا منازلهم تاركين ما يحبون ويعشقون ليتأكد للجميع في هذه الظروف أن المحبة هي الأساس، والمسرح يجمع دوماً على الخير والمحبة، موجهاً عضيمي التحية في هذا اليوم للرواد المسرحيين والمؤسسين الذين ما زالوا متعلقين بمحبته ولكل من جعل من المسرح محراباً له.
مجهولون
في حين وجه هيثم مهاوش أحد العاملين خلف الكواليس في المسرح التحية لزملائه من الجنود المجهولين الذين يعملون بضمير في المسرح خلف الكواليس والذين لولاهم لا يمكن لأي عرض مسرحي أن يرى النور.
في يوم المسرح العالمي تقودنا ذاكرتنا إلى خشبة المسرح، إلى البقعة الجميلة الأكثر إنارة في المجتمع بشكل عام وحياتنا بشكل خاص.. تقودنا ذاكرتنا إلى حيث نقف بخشوع وتجلّ وننحني تحية لجمهورنا بعد أن قدمنا خلاصة روحنا على تلك الخشبة المقدسة من حكايات وعبرة وفائدة وشريط ذكريات يمتد إلى أربعين عاماً.. نحن نعمل بجد ومسؤولية أخلاقية وفنية لنقدم ماهو أفضل ونتميز إخراجاً وتمثيلاً.. وحدها الخشبة من نعانقها لتبث فينا الأمل بحياة أفضل.. تبقى خشبات المسرح في حياتنا هي الإضاءة الحقيقية للعلم والثقافة والفائدة.. في هذا اليوم وكل يوم كل التحيات والاحترام لكل فنان وقف على خشبة المسرح وساهم بإضاءة نوره، وإلى كل فنان في الكواليس فهم صناعة الحياة النقية البعيدة عن أي تلوث فكري واجتماعي.. تحية لمن يكتببقلمه النقي عصارة روحه.. المسرحيون سيبقون رموزاً لجيل يحمل الثقافة والمعرفة والفن الحقيقي.. كل عام وكل المسرحيين بألف خير، كتّاباً ومخرجين وممثلين.
أمينة عباس