إدلب اختبار لواقع العلاقات التركية الروسية
علي اليوسف
غني عن القول إن معركة تحرير ادلب من العصابات الإرهابية هي الموضع الذي يبدأ فيه مأزق النظام التركي لجهة طبيعة العلاقات التي تشكلت مع الجانب الروسي بعد أستانا وسوتشي كون العلاقات الروسية التركية بشكلها الحالي هي نتاج الواقعية السياسية والبراغماتية والسخط المشترك تجاه الغرب.
لقد أبرزت معركة ادلب تناقضات وحدود وطبيعة النظام التركي، والتي نتج عنها علاقات سريعة التحسن مع روسيا في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من استخدام كلمة “استراتيجية” من قبل بعض المسؤولين الأتراك والنقاد في تصوير طبيعة العلاقات الثنائية بين موسكو وأنقرة ، إلا أن هذه العلاقات بعيدة عن أن تكون مؤهلة لتصبح “استراتيجية”، خاصة وأن هناك المزيد من الوضوح على الجانب الروسي عندما يتعلق الأمر بتحديد نوعية هذه العلاقات، والتي يمكن وصفها بالنفعية.
ولم تكن عمليتا أستانا وسوتشي اللتين تقودهما روسيا تتعلقان فقط بسورية، بل بإعادة صياغة العلاقات بين روسيا وتركيا وإيران أيضا، ولكن بشكل خاص بين موسكو وأنقرة. وعلى الرغم من عمليات إعادة الصياغة هذه، ظلت التناقضات الاستراتيجية والخلافات الجيوسياسية بين روسيا وتركيا بشأن سورية، وما وراءها على القدر نفسه من الاتساع في أعقاب عملية أستانا كما كانت قبلها.
وبالنظر إلى طبيعة الاستجابة الروسية، نرى أن هذه العلاقات لا تستند إلى التناظر، كما يدعي المسؤولون الأتراك في كثير من الأحيان. وفوق ذلك فهي غير متماثلة، إن لم تكن هرمية لصالح موسكو. ويبدو أن التسوية الجزئية لروسيا مع تركيا كجزء من عملية أستانا قد سارت في طريقها، ومن المحتمل أن تنجو بالعلاقات بين الجانبين، لكن لا تزال هناك احتمالات للتخلي عنها، وهو ما سيشكل خسائر كبيرة للنظام التركي، لأنها لن تكشف عن وجود فجوة في العلاقات فحسب بل سيكون لها أيضا تأثير تكويني على العلاقات نفسها. لذلك فإن اسئلة تطرح الآن من قبيل: ما هي أهداف تركيا؟ وما هي خياراتها في مواجهة كل من سورية روسيا؟
ومن خلال الحفاظ على الاحتلال العسكري في إدلب وأماكن أخرى، يهدف النظام التركي إلى تحقيق الهدفين التاليين: أولا، إبقاء اللاجئين على الجانب السوري من الحدود لأنه في أفضل الأحوال حل لإدارة الأزمات، ولكنه ليس سياسة مستدامة. وثانيا، يريد النظام التركي ربط مستقبل وجوده العسكري في سورية وإدلب بشكل عام بالعملية السياسية في سورية من أجل انتزاع تنازلات من الدولة السورية. وفي هذا الصدد، فإن استمرار الجيش العربي السوري في التقدم في إدلب عسكريا سيقلل من قيمة الرافعة التركية بشكل كبير.
وهنا يشعر النظام التركي أنه مضطر إلى رفع مستوى الرهان، ولتحقيق هذه الغاية يقوم بحشد عسكري كبير في إدلب. لقد أرسلت أنقرة مئات الجنود والقوات الخاصة والمركبات العسكرية، بما في ذلك العربات المدرعة ومدافع الهاوتزر والدبابات، إلى إدلب، لكن من الناحية العسكرية، وبما أن المجال الجوي في شمال غرب سورية، ليس مفتوحا لتركيا، فإن النشاط العسكري للنظام التركي سيواجه ضعفا كبيرا.
ومن خلال متابعة الحشد العسكري المكثف في إدلب، كما هو الحال الآن، يريد النظام التركي إعادة توازن الردع مع سورية وروسيا، وهو في الحقيقة يحاول إرسال رسالة مفادها أن أنقرة لن تسلم انتصارا سهلا لروسيا وسورية. ورغم ذلك، لاتزال تركيا تعطي الأولوية لاستكشاف خيارات أخرى مع روسيا من أجل إبرام صفقة جديدة، لكن الواقع يبين أنه ليس لدى تركيا أي خيارات جيدة في إدلب.
بالتالي، فإن إدلب تعمل كحقيقة واقعة للعلاقات التركية الروسية. علاوة على ذلك فإن تركيا ليس لديها أي خيارات جيدة في إدلب، وجميع السيناريوهات في أحسن الأحوال يمكن اعتبارها استجابات لإدارة الأزمات، وليس حلولا مستدامة.. هذا بالمقابل يتطلب من أنقرة إعادة تقييم وصياغة سياستها في سورية، بما في ذلك الانسحاب الكامل من الأراضي التي احتلتها بعد العام 2011.