إلغاء العذر المخفف لمرتكبي جرائم الشرف.. خطوة على تحقيق المساواة بين المرأة والرجل وتطبيق للعدالة ونبذ للوحشية
بعيد إلغاء العذر المخفف الممنوح لمرتكبي جرائم الشرف، استطلعت “البعث” آراء المواطنين، حيث أبدى الكثيرون ارتياحهم للخطوة وخاصة النساء منهم، غير أن بعض الأصوات النشاز التي عارضت الفكرة كانت موجودة، كما فوجئنا بوجود آراء تعتبر إلغاء العذر المخفف من مسببات انحلال أخلاق المرأة وعدم القدرة على ضبط سلوك المجتمع.
آراء متفرقة
الثقافة القانونية في سورية في حدودها الدنيا، فرغم انتشار برامج التواصل الاجتماعي إلا أن البحث عن القانون شبه غائب، ولا يقرأ الناس أكثر من بضعة سطور قانونية سنويا – وفقا لما أكده المرشد الاجتماعي أحمد ابراهيم محمود – وتستطيع أن تجد في سورية آلاف الأطباء والمهندسين والإداريين والاقتصاديين والمختصين بعلم الاجتماع، لكنك لن تجد أعدادا مماثلة من القانونيين، ذلك أن المواضيع القانونية أعقد حتى من الطب والهندسة، وفيها من الفكر والفلسفة ما يتعب أقوى العقول، ومن المفهوم بالتالي ألا تحظى المواضيع القانونية باهتمام أغلب فئات مجتمعنا، وهذا الأمر له منعكساته على الجهات التشريعية والقضائية.
شاب آخر اعتبر أن ما تطالب به المرأة من حقوق هو مجرد تقليد للغير، وفيه تعد على الأحكام الإلهية – بحسب تعبيره – دون أن يقدم الدليل على صحة إدعائه. فيما ذهب رأي آخر إلى أن الدين الإسلامي أعطى مرونة في استنباط التشريع حسب مقتضيات الزمان والمكان، إلا أن بعض الفقهاء سحبوا البساط من تحت أقدام المرونة، إما خدمة للسلطة على مر العصور أو تحقيقا لميول المجتمع الجاهلية الذكورية، وأن الإسلام مظلوم شأنه شأن المرأة في مجتمعاتنا.
رأي ثالث شدد على أن المساواة عبارة عن بنيان له تتمة، ولإتمامه يجب أيضا إلغاء بعض الميزات الممنوحة للمرأة مثل النفقة والمهر والمسكن، وذهب رأي مغاير إلى أن إلغاء هذا العذر هو إلغاء للعادات القبلية البائسة التي نسبت للدين زورا، فعقوبة الزنا في القرآن الكريم هي الجلد في حالة الزنا العلني حصرا، أما حد القتل فأدخل من شريعة موسى إلى شريعتنا عن طريق التحريف والتلاعب، وأبدى قلقه من أن مجتمعنا مجتمع ذكوري لن يتقبل أن تصبح المرأه بحد ذاتها مستقله فكريا واقتصاديا، ويجب العمل على إلغاء القوانين التي تحول المرأة إلى مجرد متاع للرجل، وتعطيه الحق بالوصاية عليها وطلبها لبيت الطاعة.
لا ميزات قانونية
الدكتورة لمياء عاصي أكدت أن إلغاء المادة 548 من قانون العقوبات، وتعديلاتها المتعلقة بمنح العذر المخفف لما يسمى “جرائم الشرف”، يشكل الخطوة الأولى الحقيقية والإيجابية لإنصاف المرأة، وتابعت: صحيح أننا نحتفل سنويا بيوم المرأة العالمي، لكن لا عيد للمرأة في أغلب الدول العربية التي تعاملها بنصف ميراث ونصف شهادة، وتخفف عقوبة من يقتلها بأعذار واهية، بل وتسميها جريمة شرف، وتحرمها من أبسط حقوقها كإنسان كامل وقادر على الوقوف في جميع الساحات جنبا إلى جنب مع الرجل، ومهما كان السند في ذلك دينيا فإن الخلل كامن في تفسير النص الديني ضد المرأة، وبشكل يحقر من مكانتها، لا في النص ذاته، والاعتراض على ذلك لا يعني المساس بقدسية تلك النصوص. وحول تساؤلاتنا عن أن المساواة بين المرأة والرجل تقتضي عدم منحها بعض الميزات مثل المهر، أجابت عاصي أن لا الشرع ولا القوانين حددت مقدارا معينا للمهر، وهي لا تعارض إلغاء الفكرة لتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين، فالموضوع اجتماعي بحت ويعود لإرادة الأفراد وليس للتشريعات.
طريق صعب
الدكتورة نسرين موشلي، كلية التربية، جامعة دمشق، أوضحت أن عبارة المرأة نصف المجتمع اعتاد مجتمعنا على إطلاقها والتغني بها دون تمعن، فالمرأة ليست نصفا بل هي الكل بكينونتها فهي الأم والأخت والصديقة وزميلة العمل والدراسة، وهي العاملة والطبيبة وحتى الوزيرة، وهي ليست الشريك للرجل فحسب بل المحور، ومع ذلك كله فما زالت المرأة تحارب للحصول على حقوقها، فهي مثلا غير قادرة على إعطاء جنسيتها لأولادها، وهناك مجموعة من القوانين المجحفة بحقها مازالت سارية، وأهمها جرائم الشرف التي ألغيت مؤخرا، ويعتبر هذا الإلغاء حجر الأساس ونقطة الانطلاق في المساواة بين المرأة والرجل، ويعد ذلك تحقيقا لالتزام سورية بالاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع مظاهر التمييز بين الرجل والمرأة. وتعتقد موشلي أن الشارع السوري سيشعر بالارتياح للمبادرات التي تساند المرأة في الحصول على حقوقها، ومع ذلك فإن الطريق مازال طويلا، وبحاجة إلى تظافر الجهود، وتكثيف الحملات والفعاليات المطالبة بحقوق المرأة، وإقناع الرجل بأن المساواة لن تنتقص من كرامته أو سلطته، وجرائم الشرف يجب أن تزال من واقعنا الاجتماعي كليا.
خطورة الفهم الخاطئ
طالما شكلت المادة ٥٤٨ من قانون العقوبات غطاء قانونيا لارتكاب وتدبير جرائم وحشية ونسبها زورا للشرف والدين والأخلاق، وجاء إلغاء هذه المادة خطوة على طريق التطبيق الصحيح والسليم، سواء لمنظومات الأخلاق أم للشرائع التوحيدية ورسالاتها، فالديانات تقوم على أسس العدالة والمحبة والإخاء والمساواة بين الناس، فلا شرف للخطيئة، ولا للجريمة، ومن الظلم أن نطلق مصطلح جرائم الشرف على جريمة لا تعدو كونها تكريسا للعادات والتقاليد الفاسدة التي حرمها الله؛ كما لا يليق بقوانين سورية، مهد الحضارة والتاريخ، أن تشكل غطاء أو ذريعة لأي جريمة، فاستخدام مصطلح جريمة الشرف بحد ذاته يعطي الذريعة والتشجيع لارتكاب الجريمة.
يتابع بركات يونس، الأديب والشاعر: إن تبعة الفهم الخاطئ للدين والأخلاق أشد خطورة من تبعة الميول العدائية والإجرامية لدى بعض الناس الذين تبقى أعمالهم محط ازدراء واستنكار الآخرين، بينما تتحول الأعمال الناجمة عن الفهم الخاطئ للدين والشرف والأخلاق إلى بطولات وفضائل تلقى التمجيد في المجتمع، وهذا الميراث ستنشأ عليه الأجيال منذ نعومة أظفارها، وما يصاحب ذلك من تخلف وجهل كما هي حال مجتمعاتنا اليوم للأسف، فلا جريمة للشرف بعد اليوم، وليس ثمة خطيئة تلد الحياة، وليس ثمة فضيلة تلحدها. ونرجو أن تمضي عملية التصحيح هذه قدما نحو الأمام باعتماد العقل والمنطق والحجة السليمة بعيدا عن الموروث البالي الذي شوه وشيطن صورة الدين بعد تقييده بنصوص نقلية خاضعة لسطوة التاريخ، ونرجو أن يصدر قريبا ما يعدل القوانين الوضعية لتكون أكثر قربا من السجية الفطرية في هذا الكون البديع الجميل، لا أن تخالفها، فتوحد قدر الإمكان بين أبناء الشرائع سواء الإبراهيمية، أو غيرها، فالله خلق الجميع على الفطرة، وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا ويتحابوا.
ما بين الدستور والقانون
قبل كل شيء لابد من الإشارة إلى أن المنظومة القانونية للجمهورية العربية السورية تعتبر من التشريعات الأكثر تميزا في العالم، وما نحن بحاجته اليوم هو صياغة ما يلزم منها بشكل مختزل وواضح وصريح، وإلغاء كل ما يسمى بالتعليمات التنفيذية التي فتحت المجال للاجتهاد المضاد، فوقع المجتمع ضحية ذلك، وترك باب الفساد مفتوحا في معظم المجالات – وفقا للمحامي حيدر سلامة، مدير عام مركز أرادوس للتحكيم – وقد اقتضى تعديل نصوص بعض القوانين لتصبح متوافقة مع الدستور الجديد لعام 2012، والذي نصت المادة 154 منه على بقاء “التشريعات النافذة والصادرة قبل إقرار هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تُعدل بما يتوافق مع أحكامه، على أن يتم التعديل خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ميلادية”. ولما كانت المادتان 19 و33 من الدستور تؤكدان على أن المجتمع في سورية يقوم على أساس التضامن والتكافل واحترام مبادئ العدالة الاجتماعية، وعلى مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وأن لا تمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، وعلى صيانة الكرامة الإنسانية لكل فرد، لذلك فقد كان قرار إلغاء نص المادة 548 أمرا ضروريا لعدة أسباب أبرزها إلغاء التمييز بين الرجل والمرأة، كما أنه يشكل تعزيزا لمكانة المرأة في المجتمع وتأكيدا على دورها الفعال وحفظا لكرامتها الإنسانية لتكون جنبا إلى جنب مع الرجل في بناء الأسرة والمجتمع، وتعزيز ثقتها بنفسها، ودفعا للحيف الذي يلحق بالمرأة جراء بعض العادات والتقاليد، فالشرف كل لا يتجزأ، ويصيب الرجل كما يصيب المرأة، وهذه النظرة منقوصة في معظم مجتمعنا، كما أن إلغاء هذا النص التشريعي سيكون له أكبر الأثر للحد من جرائم الشرف، لأن العقوبة فيها ستخضع لنص المادة 533 وما بعدها من قانون العقوبات، والتي تصل العقوبة فيها إلى الإعدام، ما سيجنب بعض الأسر الكثير من الآلام، وسيكون له دور كبير في إعادة النظر في بعض العادات والتقاليد التي تحط من كرامة المرأة السورية. إلا أن تعديل هذا النص القانوني لن يحقق الغاية المطلوبة ما لم نتمتع بروح المبادرة، ونتشارك مع الدولة كمثقفين وأحزاب وجمعيات ومنظمات في نشر الثقافة ورفع مستوى الوعي المجتمعي كي نتخلص من بعض العادات والتقاليد الموروثة التي تسيء للمرأة والمجتمع ككل، وهنا لابد من قيام الوزارات المعنية باتخاذ قرارات جريئة لرفع المستوى التعليمي في الأوساط المنغلقة، ومضاعفة أجور المعلمين والمكلفين للقيام بمهمة التعليم، وتعديل المناهج بما يتلاءم مع متطلبات النهوض الثقافي والاجتماعي، وإقامة مشاريع زراعية وصناعية، وزج المرأة فيها بشكل أساسي، ونشر الثقافة القانونية وتعزيز سلطة الدولة في المناطق التي تسود فيها عقلية العشيرة وعاداتها، وخلق منظمات وجمعيات نسوية وفق نظام داخلي غايته نشر العلم والثقافة، وتأهيل المرأة بشكل خاص.
بشار المحمد