استعدادات أوروبية لمواجهة محاولات الابتزاز الأردوغانية
د. مازن المغربي
لم يجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ردا على انتكاسة عصاباته في إدلب إلا اللجوء إلى عملية ابتزاز واضحة.. لم يتقبل التحفظ الذي أظهره الاتحاد الأوروبي تجاه مغامراته في الشمال السوري وفي ليبيا، ويبدو أن أوهام استرجاع أمجاد الدولة العثمانية مازالت تداعب خياله حيث فاجأ الدول الأوروبية بإعلانه الاتفاق مع حكومة “الوفاق” الليبية وعزمه فرض سيطرته على قطاع واسع من البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي يهدد مصالح العديد من الدول لجهةضمان تدفق الغاز الطبيعي والنفط إلى الموانئ الأوروبية في المتوسط، كما تسببت تلكالاتفاقية بتوتير العلاقة مع موسكو التي جاهرت بدعم المشير حفتر في صراعه ضد حكومة الوفاق في بنغازي.
ومن الواضح تعطش القيادة التركية للعب دور يفوق بكثير قدراتها الحقيقية، حيث أصرت على تجاهل ما اتفق عليه في سوتشي وواظبت على تمويل ودعم وتسليح العصابات الإرهابية المنتشرة في العديد من مناطق إدلب. وقد أربك إصرار الدولة السورية على ممارسة سيادتها على كامل أراضيها مخططات أنقرة الهادفة إلى تغيير الحقائق الجغرافية على الأرض من خلال جلب مجموعات المقاتلين التكفيريين من إيغور وتركمان وغيرهم وتوطينهم مع عائلاتهم في مناطق سورية. كانت الصدمة عنيفة، حاول أردوغان جر الناتو إلى المواجهة دون طائل، كما بدا أن صلابة موقفي الحليفين الروسي والإيراني كانت خارج حسابات القيادة التركية.. صحيح أن لدى تركيا قوات عسكرية ضخمة، إنما العلاقة بين حكومة أردوغان والمؤسسة العسكرية ليست في أفضل حالاتها نتيجة حملة التسريحات الواسعة التي طالت عددا كبيرا من الضباط.
وبعد سلسلة من الإحباطات، قرر أردوغان فتح حدود بلاده أمام اللاجئين السوريين في خطة مبيتة بهدف ابتزاز دول الاتحاد الأوروبي والحصول على مزيد من الأموال لتمويل حربه في سورية، وفق تصريحات رئيس الحكومة اليونانية الذي أعلن أن لا شأن لبلاده بمطامع أردوغان. وأغرب ما في الأمر هو اندفاع آلاف اللاجئين باتجاه الحدود اليونانية على الرغم من معرفتهم صعوبة ما سيقدمون عليه. ويبدو أن مصيبة مجتمعاتنا تكمن في نظام التعليم الذي نشر صورة عن الغرب متوافقة مع الطرح الكاذب حول تاريخ أوروبا المجيد في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، في تجاهل واضح لحقيقة أن الحضارة الأوروبية الحديثة قامت على النهب والاستعمار والقتل المنهجي. فإذا اعتبرنا أن اكتشاف العالم الجديد كان الخطوة الأولى في طريق هيمنة الحضارة الأوروبية على العالم، عندها يجب أن يظل حاضرا في الذهن أن الاستيلاء على القارة الجديدة تم عبر القتل والتهجير، بحيث تراجع عدد السكان الأصليين خلال قرن واحد من الاجتياح الهمجي الأوروبي إلى عشر ما كان عليه؛ ثم تكرر الأمر في استراليا وفي نيوزيلندا؛ ولا ننسى همجية الغزو الأوروبي لأفريقيا. وخلال القرن العشرين دفعت البشرية ثمنا باهظانتيجة السياسات الأوروبية التي لا يحركها إلا الطمع بالاستيلاء على ثروات العالم. واليوم تستعد بلدان الاتحاد الأوروبي لاستقبال موجات اللاجئين التي يطلقها أردوغان في محاولة لابتزاز الأوروبيين مستغلا أحوال اللاجئين البائسة وعجزهم عن رفض ضغوطات الفاشية الأردوغانية.
وقد أعد الاتحاد الأوروبي مجموعة من الإجراءات حذر بعض المراقبين من أنها لن تكون متوافقة مع نصوص معاهدة جنيف الخاصة بمسألة التعامل مع اللاجئين، حيث نشرت الحكومة اليونانية الجيش على طول الحدود مع تركيا بالإضافة إلى قوات من الشرطة مزودة بما يلزم من أدوات القمع بعد أن حظي رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس بمباركة المستشارة الألمانية لخطته. كما نسقت الحكومة البلغارية استعداداتها مع برلين وجهزت قوات عسكرية للتعامل مع اللاجئين، في حين اقترحت أورسولا فون لايين رئيسة المفوضية الأوروبية إرسال وحدات دعم من قوات الاتحاد الأوروبي التي تحمل اسم “فرونتكس”، ومهمتها حمايةحدود الاتحاد الأوروبي. وسبق أن تم توجيهاتهامات محقة ضد وحدات “فرونتكس” بسبب انتهاكاتها المنهجية لحقوق الإنسان في تعاملها مع الهاربين من شمال أفريقيا باتجاه السواحل الأوروبية للبحر المتوسط. وانعكس التصعيد بين أنقرة والاتحاد الأوروبي علىمنطقة الحدود اليونانية التركية، حيث استخدمت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع وأجهزة الصعق بالكهرباء لردع المتسللين. وترافق هذا بارتفاع التوتر في المعسكرات التي أقامتها الحكومة اليونانية في بعض جزر بحر إيجة، وحشرت فيها أكثر من أربعين ألف متسلل، في حين أنها كانت بالأصل مخصصة لاستقبال قرابة ستة آلاف شخص فقط. كما بادرت قوات الناتو إلى تسيير دوريات بحرية في منطقة بحر إيجة بهدف قطع الطريق البحري ومنع وصول المراكب التي تنقل الهاربين إلى الجزر اليونانية العديدة المنتشرة في المنطقة.
إذا، من الواضح أن الاتحاد الأوروبي استعد للأمر بشكل مسبق بعد أن تبين فشل الاتفاق الذي عقدته بروكسل مع أنقرة بخصوص ضبط تدفق اللاجئين باتجاه أوروبا مقابل تقديم مساعدات مالية ضخمة. لكن الرئيس التركي مصر على التمسك بهذه السياسة وفق ما تضمنه خطابه أمام كتلة حزبه النيابية حين هدد أن منطقة الحدود مع بلدان الاتحاد الأوروبي ستشهد تدفق الملايين من طالبي اللجوء، أما وزير خارجية تركيا فقال في تغريدة له أن على الناتو دعم تركيا في سورية، ليس لأن تركيا ضعيفة، بل لأن مبرر وجود الناتو هو المشاركة في الدفاع عن الدول الأعضاء، متجاهلا واقع أن تحفظ الناتو قام على أساس أن الصراع، بالأساس، لا يتعلق بالدفاع عن أرض تركية!